يعيش يوسف أبو قويدر وأولاده العشرة في بيت مساحته نحو 200 متر في قرية الزرنوق غير المعترف بها من سلطات الاحتلال الإسرائيلي في النقب جنوب فلسطين المحتلة عام 1948.
ويقول أبو قويدر لصحيفة "فلسطين" إنه في سبتمبر/ أيلول الماضي حضر عدد من طواقم الاحتلال ومفتشي البناء وصوروا المنزل، وبعد شهر ألصقوا عليه أمرًا بهدمه، مضيفًا: "قدمنا استئنافًا لمحكمة الاحتلال وطلبنا تأجيل هدم المنزل ولكن لا حياة لمن تنادي، فكان من غير المنطقي هدم الاحتلال منزلًا عمره أكثر من40 عامًا، بزعم ترميمه دون ترخيص".
ومنزل أبو قويدر ليس هو الوحيد الذي هُدم، إذ تظهر أحدث معطيات لمنتدى التعايش في النقب نشرت قبل أيام عدة أن عدد المنازل التي هدمتها سلطات الاحتلال في النقب بلغت أرقامًا قياسية، حيث هدم نحو 6130 منزلًا تعود لمواطنين في النقب خلال السنوات الخمس الماضية.
وتبين المعطيات أنه في عام 2017 هدم الاحتلال 2220 مبنى، وفي 2016 هدم 1158 مبنى، وفي 2015 هدم 982 مبنى، وفي 2014 هدم 1073 وفي 2013 هدم 697 مبنى.
وفي تعقيبه على هذه المعطيات قال رئيس المجلس الإقليمي للقرى العربية غير المعترف بها في النقب عطية الأعسم: إن ازدياد عمليات هدم المنازل في النقب هو استمرار للنهج الذي تتبعه سلطات الاحتلال، وهو الحرب على أهالي النقب بهدف الاستيلاء على الأرض.
وأكد الأعسم لـ"فلسطين" أن "هذه الأرقام مهما كانت كبيرة فالواقع أن حالات تدمير البيوت هي أكثر بكثير منها، وبعض الناس يهدم بيته بيديه بسبب تهديد الاحتلال له بفرض مبالغ طائلة عليه في حال نفذت سلطاته الهدم، فيضطر الأهل لهدم بيوتهم بأنفسهم لأنهم لا يملكون المال أصلًا".
وأضاف أن هذه المعطيات تؤكد أن حكومة الاحتلال لا تملك للعرب بالنقب سوى مخططات هدم منازلهم بدلًا من مخططات التطوير والبناء، وسياسة الترانسفير التي تهدف لترحيلهم وخاصة سكان القرى غير المعترف بها التي تزيد على 40 قرية، مشيرًا إلى أن الاحتلال لا يعطي المواطنين هناك فرصة لبناء بيوتهم وترخيصها، حتى أنه لا توجد جهة مسؤولة لتقديم تراخيص البناء.
وكشف الأعسم النقاب عن أنه رغم العدد المرتفع في عمليات هدم المنازل إلا أن سلطات الاحتلال لم تتمكن من ترحيل أي فلسطيني من النقب من أرضه وبيته، لافتًا إلى أن العدد المهدوم من المنازل خلال السنوات الخمس الماضية يشكل نحو 10 في المائة من البيوت المبنية في القرى العربية غير المعترف بها في النقب، وأن هذا الرقم يوازي هدم ست قرى.
وبين أن سلطات الاحتلال هدمت ورحلت مؤخرا قرية أم الحيران بأكملها، وهدمت قرية العراقيب كاملًا، عادًّا ما يجري في النقب استمرارا للنكبة التي حدثت سنة 1948، التي لم تنتهِ، ويواجهها العرب في النقب بالصمود رغم الأثمان الباهظة التي يدفعونها جراء هذا الصمود.
لن نرفع الرايات
من جهته قال الناشط الفلسطيني رئيس لجنة قرية بير الحمام حسين الرفايعة: "إن الارتفاع المطرد في وتيرة هدم المنازل في النقب حرب على وجودنا من خلال الضغط على الناس، باتباع سياسة هدم المنازل ومطاردة أصحاب المواشي وتخريب المزروعات لهدف واحد هو ترحليهم عن أراضيهم، وتجميعهم في مناطق أشبه بالغيتوات أُعدت مسبقا".
وأضاف الرفايعة لـ"فلسطين" أن سلطات الاحتلال تعمل ضمن خطة مبرمجة تجاه النقب و"هي تريد منا الاستسلام ورفع الرايات البيضاء مستسلمين لهذه السياسة، لكن الناس في النقب صامدون رغم صعوبة الأوضاع"، مردفا أن "بوادر هذه الخطة نراها اليوم من خلال هدم العراقيب وفرض السجن عشرة أشهر على عمدتها الشيخ أبو صياح الطوري".
ورأى أن حكومة الاحتلال تطبق هذه الخطة بحذر شديد، وتعمل الآن على الاستيلاء على مناطق معينة وفي الأطراف حتى لا تصل إلى مرحلة تهييج الناس والوصول إلى حد المواجهة، مؤكدًا أن أصحاب البيوت التي هدمت بقوا في مواقعهم ولم يغادروها ويسكنون حاليا في خيام وبعضهم أعاد بناء منزله بهدف إيواء أطفاله وعائلته.
ونبه إلى أن خيارات المواطنين في مواجهة الاحتلال قليلة "فنحن بقوانا الذاتية نتعامل مع الأمر بالصبر، والأمر الذي يثلج الصدر هو أن الناس متمسكون بأراضيهم ومنازلهم رغم الضغط الهائل الذي تمارسه عليهم سلطات الاحتلال والحرب التي تشنها عليهم".
واتهم الرفايعة القيادة العربية في الداخل المحتل بالضعف والتقصير حيال ما يجري في النقب، مضيفًا أن "هذه القيادة تعمل من أجل وظائفها وكراسيها" على حد قوله.
وتابع "ليس لهذه القيادة أي خطة لمواجهة السياسات الإسرائيلية في النقب، وتترك المواطن الفلسطيني لوحده في مواجهة هذه السياسات العنصرية، وهذا يدل على أن الناس في وادٍ والقيادة في وادٍ آخر" حسب تعبيره.