تتكشف في إسرائيل هذه الأيام ما توصف بأخطر قضية فساد في تاريخها، وتتعلق بتفاصيل صفقة الغواصات الألمانية التي اشترتها إسرائيل قبل سنوات، لأن ما نشرته الشرطة من استنتاجات التحقيق تشير لجملة جرائم بينها: تلقي رشوة، وغش، وخرق الثقة، لأبرز مقربي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ممن تبوؤوا مناصب رفيعة للغاية، ولم يعملوا في الأزقة الظلماء، بل كانت ساحة جريمتهم مكاتب وزارة الدفاع وأروقة الحكم والجيش.
ليس من المتوقع أن تطوى صفحات هذه الفضيحة الجديدة في قادم الأيام القليلة، في ظل تشعباتها الجنائية، وتداخلات السياسي مع العسكري، مما سيتطلب المزيد من الأخذ والرد، والكلام, والكلام المضاد، لكن الأنظار ستبقى مسلطة باتجاه نتنياهو، الذي لا يقدر أحد من المشبوهين على ارتكاب أي مخالفة جنائية، أو استخدام منصبه الرفيع، لتمرير مخالفات قانونية من خلال الصفقة دون أخذ موافقة نتنياهو، أو على الأقل غض طرفه عنها.
يبدي نتنياهو ثقة زائدة بالنفس تجاه قضايا الفساد التي ما إن يتم التحقيق معه في واحدة منها، حتى يستدعى من جديد للتحقيق في جريمة أخرى، وما إن يتنفس الصعداء من تبرئة ساحته في قضية ثالثة، حتى يكشف النقاب عن تورطه في فضيحة رابعة، وبات للرجل الأول في الدولة أربعة ملفات جنائية قاسية، يطلق عليها محققو الشرطة: 1000، 2000، 3000، 4000، وتتمحور بتلقي الرشوة والفساد وخيانة الأمانة وغيرها.
يبدي محققو الشرطة الإسرائيليون مهنية وصرامة كبيرة في التحقيق مع كبار رموز الحكم في الدولة، من جنرالات كبار ووزراء مرموقين، وعلى رأسهم نتنياهو وزوجته، ويبذلون جهودا مضنية في البحث والتقصي والجمع والتحري، لاستيفاء كامل ملفات هذه القضايا، والإحاطة بكل جوانبها القانونية والقضائية.
لا يعلم أحد حتى الآن أين ستصل التحقيقات في قضية الغواصات الألمانية، وقد يشتد الخناق حول عنق نتنياهو، لكن التقديرات الإسرائيلية ترى أنه قد يفلت منها هذه المرة، كما في كل مرة، سواء لقدرته على الاحتيال، أو عدم تركه بصمات تدينه، وربما تتدخل جهات عليا في الدولة لا ترى أنه من المناسب الإطاحة به في مثل هذه الظروف.
أخيرا.. يمكننا القول ما لم يقل مالك في الخمر في دولة الاحتلال، لكن في جملة ما سنقول إن محققا شرطيا ووكيل نيابة قادر على استجواب رئيس الدولة والحكومة وكبار الوزراء، ويدخل في تفاصيل التفاصيل لحياتهم الشخصية، ثم يعود إلى بيته، ينام مرتاحا، لا يخشى أحدا، ولا يخاف من زوار الليل، ولا أن يصله كتاب إقالة أو نقل تعسفي!