لا أحد يدفع ثمن الحروب أكثر من الأطفال، وكأن الهدف من وراء حمى الذين يخوضون الحروب المجنونة هو قتل الطفولة أو أولئك الذين ما زالوا ينتظرون النور في بطن أمهاتهم. لا تميز القذيفة العمياء بين العسكري والمدني، ولا ترى فوهة البندقية ضحيتها، لأنها عمياء، ولأنه عندما تشتعل نيران الحروب لا يسود إلا الجنون .
لا أخلاق في الحروب، لا أخلاق قط، وتصبح كل مواثيق حماية الطفولة غائبة، بل إن أصوات منظمات حقوق الإنسان تصبح غير مسموعة، ويتم وضع العقل على أرفف الأرشيف. حتى إذا ما وضعت الحرب أوزارها، نجد جثث الموتى، والمفقودين، والمعاقين، والمكلومين، والشهداء.
إن الحروب التي كانت تحدث بين الشعوب في غابر الأزمان، كالحرب التي شنت في زمن طروادة وفي زمن الرومان وفي صدر الإسلام، كانت حروبا تتصف بالشرف لأن المقاتل يقابل المقاتل وجها لوجه، ويطعنه في وجهه، وكان يعرف من هو عدوه، وكان لا يقاتل إلا من يقاتله، ولم تكن النساء والشيوخ والأطفال يخرجون إلى الحرب، وكانت الحروب تكفل عدم التعرض لهم، ولكن الحروب في هذا الزمان الذي سيطرت عليها التكنولوجيا العمياء, والتي تقذف فيها الطائرات قذائفها موجهة بأشعة الليزر أصبحت تحرق الأخضر واليابس وتقتل الصغير والكبير دون تمييز، التي أصبح فيها الإنسان أكثر شراسة لأن مشاعره لا تتحرك عندما يقذف من طائرة شبحا أو قذيفة تخرج من البحر لا يدري من ستقتل وكم ستقتل، فقد تقتل الناس جماعة وليس انتقائية أو فردية. ليتنا نعود إلى الحروب التقليدية القديمة التي كان الشرف فيها يمثل قدرا كبيرا من المعنى .
فلقد بات الأطفال هم الهدف وهم الضحية في الحروب البشعة الوسخة، والمجازر الظالمة، وإن لم يصابوا بأي مكروه جسدي، تصيبهم التداعيات النفسية، وتؤثر فيهم وفي مستقبلهم وحياتهم على المدى الطويل !!! ومن أكثر المشاكل المرتبطة بالخوف، الخوف من الظلام الذي يخبَّأ فيه اشتداد الحرب والقصف في الليل والخوف من الأصوات المرتفعة من قصف ورصاص وقنابل وتفريغ الهواء. في زمن الحروب تنتهك البراءة وتغتصب الطفولة ويطغى الوجع، وتغيب الابتسامة ويحل مكانها البؤس والتشرد والضياع والشقاء. هكذا هي الطفولة هناك وسط القذائف والرصاص، كيف يبقى الطفل طفلاً وهو يحمل في حقيبته المدرسية دماء صديقه؟ كيف ينام مستقراً في حضن أمه وكنف أبيه وهو لا يأمن أن يستيقظ في الصباح فلا يجدهما حوله، وفقدوا حقهم في تعليم آمن وحياة مستقرة؟ هكذا هي الطفولة في زمن الحروب!!