شملت آثار الحصار الإسرائيليّ المفروض على قطاع غزّة مختلف الجوانب الاقتصاديّة، حيث وصلت إلى غالبيّة القطاعات التجاريّة والماليّة، وكان آخرها سوق المعادن الثمينة، وخصوصاً الذهب، الذي استهدفه قرار إسرائيليّ صدر قبل أسابيع قليلة، من دون إبداء الأسباب، بعدما سمحت في شباط/فبراير 2016 لـ12 من تجّار الذهب ومصنّعيه باستيراده وتصديره، مقدّراً حجم تبادل الذهب بين استيراد وتصدير بـ48 كغ كلّ أسبوع بين أواسط فبراير وأواخر مارس.
يوجد في غزة 40 مصنعاً للذهب، وهو عدد كبير مقارنة بمساحة القطاع الصغيرة البالغة 365 كم2، ويستحوذ الذهب على استهلاك 70% من سكّانه خلال السنوات العشر الأخيرة منذ عام 2006، لمحافظته على سعره، وعدم تكبّدهم خسائر كبيرة عند بيعه، حيث إن الذهب الذي يصنع في غزة يتراوح سعر الغرام منه بين 2-3 دنانير أردني، والذهب اللازوردي المعروف بأنه من أغلى الأنواع يتراوح بين 5-6 دنانير، والذهب الكويتي يتراوح بين 8-9 دنانير.
بلغة الأرقام، يشير الربع الأوّل من العام الجاري 2016 إلى عدم استقراره وتراجعه، حيث تمّ دمغ 169 كغ من الذهب في كانون الثاني/يناير، وفي شباط/فبراير، تمّ دمغ 176 كغ، أمّا شهر آذار/مارس الأخير، فقد شهد دمغ 143 كغ فقط، ممّا يشير إلى ضعف القوّة الشرائيّة في غزّة بسبب سوء الوضع الاقتصاديّ.
خطورة قرار (إسرائيل) في تزامنه مع قرب فصل الصيف حيث تكثر المناسبات الاجتماعيّة، وتشتري الفلسطينيّات كميّات من الذهب للزينة، ولذلك فإنّ القرار سيصيب سوق الذهب بالكساد والخسارة فوق ركوده الأصليّ منذ بدء الحصار الإسرائيليّ على غزّة في عام 2006، وتمثّلت النتيجة الأوّليّة للقرار بانخفاض أسعار الذهب من 25 ديناراً أردنيّاً للغرام الواحد إلى 23 ديناراً، بما يعادل 35 دولاراً أميركيّاً إلى 32 دولاراً.
وقد بلغ حجم تجارة الذهب خلال الأسابيع الثلاثة التي سمحت فيها (إسرائيل) أواخر شباط/فبراير بالتبادل بين أسواق غزّة والضفّة الغربيّة، 900 ألف دولار أسبوعيّاً، ممّا أنعش سوق الذهب في غزّة، لكنّ قرار المنع شكّل انتكاسة له، وسيتسبّب في شحّ كميّاته، وارتفاع أسعاره، وقد يفسح المجال أمام عودة السوق السوداء، وفي حين تنتج المصانع المحلّيّة في غزّة سنويّاً بين 1 و1.5 طنّ من الذهب، يتمّ استيراد بين 100 و150 كغ من الخارج قبل القرار الإسرائيلي الأخير بمنع استيراد الذهب وتصديره لغزة.
وتعتبر صناعة الذهب في مدينة غزّة متأخرة عن المدن الفلسطينيّة الأخرى، ففي حين تصنّع مدينة الخليل جنوب الضفّة الغربيّة 65% من الذهب الفلسطيني، يأتي ترتيب غزّة في المرتبة الـ14 على مستوى المحافظات الفلسطينيّة الـ16، ولا يوجد إحصاء دقيق حول موجودات غزّة من الذهب، وبحسب تقديرات غير نهائية، فإن مخزون الذهب في الضفة الغربية وقطاع غزة يبلغ 80 طناً، 10 أطنان في محلّات بيع الذهب، و5 أطنان مُدّخرة في البيوت، و65 طناً للزينة عند السيدات الفلسطينيات.
ما سبق يعني أن قرار (إسرائيل) بمنع استيراد الذهب وتصديره، استمرار لسياسة (إسرائيل) المتّبعة منذ عام 2007، حيث منعت التبادل التجاريّ بين الضفّة الغربيّة وغزّة، وهناك أكثر من 40 مصنعاً للذهب في غزّة متضرّراً من قرار (إسرائيل)، يشغّل ما يزيد عن مئة عامل، وعشرات ورش التصنيع الصغيرة، وأكثر من 300 تاجر ذهب في غزّة، ونحن نجري اتّصالاتنا مع دائرة دمغ المجوهرات في الضفّة الغربيّة للضغط على (إسرائيل) للعودة عن قرارها.
كما أن قرار (إسرائيل) بمنع استيراد الذهب وتصديره له جانبان: سياسيّ مرتبط بتكريس الحصار على غزّة، واستمرار الفصل الجغرافيّ القائم بين الضفّة الغربيّة والقطاع، وجانب اقتصاديّ يتعلّق بأنّ الفلسطينيّين يعتبرون الذهب إحدى العملات النقديّة المتداولة، و(إسرائيل) مهتمّة باستمرار الحصار الاقتصاديّ والنقديّ على غزّة، استمرارا لسياسة الحصار الذي فرضته على غزة عقب فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وشمل جميع الجوانب التجارية والاقتصادية والمالية، ولذلك فإنّ هذا القرار بجانبيه سينعكس سلباً على الوضع التجاريّ في غزّة، بإحداثه إرباكاً في أسعار الذهب بين غزّة والضفة الغربيّة، بين ارتفاع وانخفاض.
أخيراً... يضاعف القرار الإسرائيليّ بمنع استيراد الذهب وتصديره من غزّة وإليها، المعاناة الاقتصاديّة التي يكابدها الفلسطينيّون، ولا يبدو أنّ أضرار القرار ستتوقّف عند خسائر تجّار الذهب فقط، بل قد تتسبّب في تسريح المئات من العاملين في مصانعه، وإغلاق بعضها، وهو آخر ما تتمنّاه غزّة، التي تواجه يوماً بعد يوم، ضرراً جديداً، ومعاناة متجدّدة، من دون أفق لوقف تدهورها المعيشيّ والاقتصاديّ.