أخبار متسارعة شهدتها الأيام الأخيرة على صعيد المباحثات الجارية للتوصل لتهدئة في غزة، تجريها الأطراف التي ترى بهذه الجهود فرصة لإظهار قدراتها السياسية، ونفوذها الإقليمي، وتوظيف مواردها المالية، وعلاقاتها الدبلوماسية، وهو سلوك على كل حال مقبول في عالم السياسة، لكنه يظهر الرغبة الجامحة لكل طرف بأن يكون له موطئ قدم في هذه البقعة الجغرافية المسماة غزة.
(إسرائيل) من جهتها تبدو، أو هكذا يخيل لأحدنا، أنها تتعامل مع جميع هذه الأطراف مجتمعة، حتى لو ظهر أن بعضها يكن للبعض الآخر عداوة مطلقة، أو خصومة قاطعة، لكن انخراطها جميعا في جهود التهدئة، وتعاملها الفردي مع (إسرائيل)، جسد هذه الرغبة عند تلك الأطراف.
كثيرا ما تحدثت هذه السطور عن قراءة الإسرائيليين لواقع غزة الموشك على الانفجار، ولئن كانت خياراتهم بين تهدئة أمنية، أو ضربات جوية، أو المواجهة الشاملة، فإنهم كما يبدو، مؤقتاً، ذهبوا للبديل الأول، على أن تبقى في إطار تثبيت تفاهمات 2014، دون الوصول لتهدئة زمنية طويلة نسبياً، لأسباب وعوامل عديدة: سياسية وأمنية وعسكرية.
يعلم الإسرائيليون أن ما تحقق في الأيام الأخيرة لغزة من تحسينات معيشية تمثلت بإعادة انتظام التيار الكهربائي، وصرف رواتب الموظفين، والإعلان عن مشاريع اقتصادية، يسجل لصالح المسيرات الشعبية التي أرقت مضاجع الإسرائيليين طوال الشهور الماضية، لكنها في الوقت ذاته تبعد شبح الحرب التي لا ترغبها، ليس بالضرورة حباً في سواد عيون أهل غزة، أو حرصا على دمائهم.
في الوقت ذاته، ليس غائبا على صانع القرار الإسرائيلي أنه كما كانت صور القذائف المتساقطة على المستوطنات الإسرائيلية، ستكون دعاية انتخابية للمعارضة في الانتخابات المقتربة مع مرور الوقت، فإن صور حقائب الأموال "التي اختلف على جنسيتها" المتجهة لغزة، ستضاف لقائمة الأدوات الانتخابية لذات المعارضة.
هذه التطورات الفلسطينية الإسرائيلية، تطرح أسئلة مهمة، من قبيل أن نتنياهو المتشبث بالحكم، والطامح لولاية رئاسية خامسة، هل يمنح خصومه المزيد من الأسلحة المسنونة لطعنه فيها، أم يسعى لإدارة أزمة غزة مؤقتا، ولو من باب التضحية بلقبه المفضل "سيد الأمن"، بعد إخفاقه في وضع حد للمسيرات الفلسطينية؟
سنبقى بانتظار التطورات الميدانية، والتسريبات غير المؤكدة، حتى نعرف أين تتجه الأمور، إلى حينها يمكن القول بكثير من الثقة أن ما يحصل حاليا مع غزة هي ترتيبات مؤقتة، على أهميتها الإنسانية والمعيشية، سواء لعدم وجود توافق إسرائيلي حولها، أو لأن باقي الأطراف الفلسطينية لم تقل كلمتها بعد، والأهم مدى تزامن هذه التسهيلات الإنسانية مع السلوك الميداني داخل غزة.