ما زال الإسرائيليون منشغلين بالأوضاع الأمنية على حدود قطاع عزة، سواء بالمظاهرات الأسبوعية وما يرافقها من بعض الفعاليات الميدانية كإطلاق البلالين الحارقة والطائرات الورقية، وبعض التصعيد العسكري بين حين وآخر، أو بما تشهده القاهرة من مباحثات التهدئة التي يزداد الحديث عنها وينخفض حسب الوتيرة الجارية.
آخر مظاهر الانشغال الإسرائيلي تجلت في المظاهرات المتزايدة في الأيام الأخيرة، التي ينظمها مستوطنو غلاف غزة، احتجاجا على ما يعتبرونه تصدعا في أوضاعهم الأمنية، ولا مبالاة الحكومة واستهتارها بأوضاع القلق والتوتر التي يعيشونها منذ سبعة أشهر.
انتقلت هذه المظاهرات التي اقتصرت في أسابيع ماضية على الحدود الجغرافية لغلاف غزة،حيث المستوطنات الجنوبية، لكنها في الأيام الأخيرة بدأت تأخذ مديات جغرافية متزايدة إلى داخل فلسطين المحتلة، بجانب قيامهم بإغلاق الطرق المؤدية إلى معبر كرم أبو سالم، الذي يتم استخدامه لنقل البضائع والسلع التجارية.
عرفت إسرائيل العديد من هذه المظاهرات الجماهيرية احتجاجا على سياسة الحكومة الإسرائيلية التي يصفونها بالمتراخية والمتساهلة تجاه المسيرات الفلسطينية في غزة، رغم ان هذه السياسة الموصوفة بهذه الأوصاف قتلت أكثر من مائتي متظاهر سلمي وأصابت الآلاف، فعن أي تساهل يتحدث هؤلاء المستوطنون؟
يمكن تقييم هذه المظاهرات الإسرائيلية انطلاقا من دلالتين: أولاهما الضغط على الحكومة باتجاه التهدئة مع حماس، أملا بوقف المسيرات وما يرافقها من أنشطة ميدانية، رغم أن الأصوات الإسرائيلية بهذا الاتجاه منخفضة ومتراجعة.
ثاني هذه الدلالات استغلال هذه الفعاليات الشعبية باتجاه اتهام الحكومة بإهمال أمن المستوطنين، وما يترتب عليه من تحشيد انتخابي داخلي، وفرصة لتحويل الفعاليات كي تصبح بازارا للمزاودات الحزبية الإسرائيلية.
يصعب في هذه العجالة التقرير باتجاه أين ستذهب هذه الفعاليات الجماهيرية الإسرائيلية، هل لتأييد التهدئة أم للتصعيد، لكن من السهولة بمكان القول أن هذه المشاهد ستكون من الصور التذكارية الراسخة في الحملة الانتخابية القادمة، ولن تكون الحكومة الإسرائيلية، ومن يقف على رأسها، سعيدة وهي ترى مثل هذه الصور والمشاهد ترافقها في الانتخابات التي قد تشهدها إسرائيل ربيع العام القادم، أو في صيفه على أبعد تقدير.
شهدت الساحة السياسية الإسرائيلية العديد من هذه الفعاليات الاحتجاجية، خاصة عقب تزايد الخسائر الإسرائيلية في الجبهات القتالية المتعددة، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو لبنان، وخرجت في إثرها دعوات ومطالبات تلقى رواجا في الأوساط الحزبية، وفي كثير من الأحيان شكلت أداة ضغط على صانع القرار في تل أبيب، لأن أهم ما يهمه أن يحافظ على تفوقه في استطلاعات الرأي التي تزداد في الأسابيع الأخيرة، تمهيدا لبقائه في موقع رئيس الحكومة في الدورة البرلمانية القادمة.