ما زلنا منشغلين في حيثيات الزيارات المكوكية المتلاحقة من المسئولين الإسرائيليين، سرها وعلانيتها، إلى العواصم العربية، بعيدها وقريبها، وبعد أن استوعبنا صعقة هذه الصدمة، وابتلعنا هذا الخنجر المسموم، آن الأوان للبحث في ما تم مناقشته بين الجانبين، أو على الأقل ما تم تسريبه من محاضر أو محادثات.
كانت القضية الفلسطينية إلى عهد قريب هي العقبة الكأداء التي تحول دون الكشف العلني السافر عن التطبيع العربي الإسرائيلي، في شقه الرسمي على الأقل، على اعتبار أن أساس العداء بينهما هي القضية الفلسطينية، وبالتالي فلا يبدو أن هناك مجالا لإذابة هذا العداء طالما أن القضية لم تحل، وبعد ان كان الحديث عن حل بموجب قرارات الأمم المتحدة، انخفض السقف تدريجيا ليصل إلى حل متفق عليه، حتى انهار السقف من أعلى فجاء دور فرض الحلول فرضا على أصحاب القضية، دون انتظار أخذ موافقتهم.
لكن ما خرج من تسريبات صحفية إسرائيلية عن فحوى الاجتماعات الأخيرة التي عقدها الإسرائيليون في عدة عواصم عربية، بدا أن القضية الفلسطينية لم تحز على نصيب الأسد من هذه المباحثات، بجانب الحديث عما بات يسمى "التحديات المشتركة" في المنطقة.
الحديث الإسرائيلي العربي، في معظم مباحثاته، أصبح شغله الشاغل القضايا الأمنية، والمخاوف من الجماعات المسلحة، والتصدي للتهديد الإيراني، هكذا يسمونه، فضلا عن الاهتمامات الثنائية بقضايا التكنولوجيا، والاستفادة العربية مما آلت إليه التقنيات الإسرائيلية، وعالم الهايتك، في ظل ما تحققه إسرائيل من اختراقات جدية على مستوى العالم في هذه القطاعات الحيوية.
صحيح أن ما قد يصدر من بيانات بروتوكولية أو تصريحات رسمية تأتي على ذكر القضية الفلسطينية، من باب رفع العتب، لكن حقيقة الأمر أن هذه القضية لم تعد هي أولى الأولويات لدى العواصم العربية، حتى تلك القريبة منها، ذات الحدود المشتركة، فلكل عاصمة شأن يغنيها، بعد أن انشغلت، أو أشغلت، بملفاتها الداخلية، وصراعاتها الأهلية.
من الأهمية بمكان ألا نخلي ساحة تلك الأنظمة والعواصم عن التدهور الذي أحاط بالقضية الفلسطينية التي فقدت ظهيرها العربي وإسنادها الإقليمي، حتى بات الأمر وكأنه تسليم الفلسطينيين لقدرهم المحتوم، وأصبح شعارهم المكرور "يا وحدنا.. يا وحدنا".
لكن الأكثر أهمية ألا نجعل من هؤلاء العرب ملكيين أكثر من الملك، ليس مطلوبا منهم في غمرة الحديث القطري الجهوي الجغرافي السائد أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، هنا نضع أصابعنا على مكمن الجرح ومصدر الوجع وأساس الداء، المتمثل في دخول الانقسام الفلسطيني عقده الثاني، وخروج أكثر من خطاب، والعمل بأكثر من مسار سياسي وميداني.. صحيح أننا لا نخلي العرب من مسئولياتهم، لكن فلنبدأ بأنفسنا نحن "أم الصبي"!