ليس لافتًا أو مفاجئًا، خروج الموقف الإسرائيلي المرحب ببدء فرض العقوبات الأمريكية على إيران، لأن ضغوطا كبيرة مورست من تل أبيب وحلفائها في واشنطن، على دوائر صنع القرار الأمريكي في: البيت الأبيض، الخارجية، البنتاغون, والكونغرس، وتلخصت جميعها بضرورة فرض هذه العقوبات.
إن كان من شيء لافت ومفاجئ، فهو المسارعة الإسرائيلية للترحيب بالقرار الأمريكي، بصورة عكست دلالتين: أولاهما أن تل أبيب تشعر بسعادة غامرة من هذه العقوبات، وكأنها تحقق لها ما أرادت، وثانيهما الوجود الإسرائيلي في صلب الترتيبات الأمريكية التي وضعت اللمسات الأخيرة لاستئناف العقوبات في الساعات الأخيرة.
يعتقد الإسرائيليون بأن بدء سريان هذه العقوبات على إيران يحقق لهم جملة أهداف: قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى، وصولا لتجريد طهران من أسباب قوتها الاستثنائية بالمنطقة، وتحافظ على إسرائيل كدولة متفوقة، كمًّا ونوعًا، على جميع دول الإقليم.
لعل أهم الأهداف الإسرائيلية الآنية من استئناف العقوبات على إيران، إعادة صورة الأخيرة في المشهدين الإقليمي والدولي على أنها دولة منبوذة واقعة تحت سيف العقوبات من الدولة الأعظم على مستوى العالم، مما سيجعل أي دولة تبتعد عنها، رغبة منها بعدم الدخول في مواجهة مع "ترمب الرهيب".
مع أن أحد أهم أسباب معارضة إسرائيل للاتفاق النووي الإيراني مع القوى الكبرى زمن أوباما، أن الاتفاق عمل على تسويق إيران كدولة طبيعية، ليست معادية ولا شريرة، اليوم كأن الأمور عادت إلى نصابها بالنسبة لإسرائيل، وسيتم تصوير إيران على أنها دولة ضمن محور الشر، أو تقوده، وفق الدعاية الإسرائيلية.
ثاني الأهداف الإسرائيلية متوسطة المدى من العقوبات على طهران، أنها ستجعل إسرائيل معتكفة على نفسها، منكفئة على حالها، وما يعنيه من وقف تدريجي لتدخلاتها في المنطقة، ودعمها للمنظمات التي تناصب إسرائيل العداء، في فلسطين ولبنان وسواهما، فضلا عن تعثر الخطط الإيرانية بمواصلة نشر قواعدها في سوريا.
ثالث المصالح الإسرائيلية من العقوبات على إيران في مداها البعيد، أنها ستعمل على إحداث تصدّعات بنيوية واجتماعية في الدولة الإيرانية ذاتها، لأن هذه العقوبات ستكون غير مسبوقة، وفق التقدير الأمريكي، وقد تحقق لتل أبيب وواشنطن ما تسعيان إليه من خلخلة أركان النظام الإيراني، وصولا لإيجاد ثورة شعبية داخلية بسبب تدهور الاقتصاد والظروف المعيشية.
هذه الأهداف الإسرائيلية مجتمعة، وسواها، ليست بعيدة عن تفكيرها بإدارة الساحة الفلسطينية ذاتها، بسبب التداخل الجغرافي الحاصل، وتلاقي المصالح القائم، من حيث قطع أنابيب الأكسجين عن المنظمات الفلسطينية التي تمدها بالحياة، انطلاقا من قاعدة ضرب رأس الأفعى مباشرة.