معجزات الأنبياء انتهت بموتهم إلا معجزة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) الخالدة ألا وهي القرآن الكريم، لكنَّ كُتب السيرة ذكرت الكثير من معجزات رسول الله التي كانت تحدث من حين لآخر في حياته للتأكيد على أنه نبيٌّ مُرسل، لقطع الطريق أمام المستشرقين المغرضين وغيرهم الذين وصفوا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بالعديد من الأوصاف الرائعة فقالوا إنه من عُظماء العالم، وأنه مُصلح اجتماعي، وسياسي بارع، وعسكري مُحنّك، وغيرها إلا صفة النبوة والرسالة وهم بذلك أرادوا أن يدُّسوا السُم في العسل حتى يعتقد البعض بأن رسالته انتهت بموته، وهم بذلك كمن يحاول أن يغطي الشمس بغربال، وظنوا بأنهم يستطيعون أن يطفئوا نور الله الخالد بأفواههم.
من هذه المعجزات كانت معجزة الإسراء والمعراج، والتي اختلف في وقتها رغم أنه اشتهر أنها حدثت في رجب، المهم أنها حدثت بدليل واضح من القرآن والسنة، وحدثت قبيل هجرة الحبيب إلى المدينة وفي أصعب الظروف التي كانت تمرّ به بعدما تنكرت جزيرة العرب لرسالته وأغلقت الأبواب في وجهة الشريف، ففتح الله (تعالى) له باب السماء ليعرج فيه وليرى من آيات ربه الكُبرى تثبيتاً وتسرية له حتى بلغ منزلة لم يصلها نبيٌّ مُرسل أو مَلك مقرّب.
سورة الإسراء تحدثت عن معجزة الإسراء في أول آية منها {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ولكنّ العجيب أنَّ معظم السورة تحدثت عن بني إسرائيل لذلك سميّت أيضاً بسورة بني إسرائيل، فلماذا؟ رغم أنه تاريخياً لم يكن لبني إسرائيل وجود وقتها لا في مكة ولا في بيت المقدس!! وكأنَّ الله (تعالى) يتحدث عن اليهود المحتلين لفلسطين والقدس والمسجد الأقصى في هذا العصر، وكأنَّ الله (تعالى) يلفت انتباه هذه الأمة لأهمية المسجد الأقصى والأخطار التي تهدده من مكر وخبث واعتداءات يهود، وكأنَّ الله (تعالى) يقول لهذه الأمة من فرّط في المسجد الأقصى يوشك أن يفرّط في المسجد الحرام من خلال هذا الربط الواضح في الآية الكريمة، وكذلك المعراج الذي كان من المسجد الأقصى إلى السموات العُلا بعدما صلّى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إماماً بكل الأنبياء والرسل، في إشارة إلى أنَّ هذه الأمانة معلقة في رقاب أمته من بعده لهداية البشرية وقيادتها.
وتمضي سورة الإسراء في وصف إفساد بني إسرائيل الأول والثاني وأن نهايتهم الحتميّة ستكون في القدس والمسجد الأقصى، فقال الله (تعالى): {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}، وشواهد كثيرة تدل على أنَّ نهاية الاحتلال الإسرائيلي قد اقتربت رغم كل الضيق الذي نحن فيه، فالفجر يبزغ من بين أكثر أوقات الليل ظلاماً.