محمود أبو معمر، شاب غزي داعب في حياته أطفالا كثيرين كان يرى فيهم البراءة؛ إلا طفله الذكر الأول "محمود" الذي وُلِد بعد استشهاده بأشهر معدودات.
"متشوق لقدوم طفلي الذكر الأول.."، خاطب العشريني أبو معمر بذلك زوجته التي كانت حاملا في الشهر الثالث، وغمرها الفرح بشوقه هذا، لكن الخوف اعتراها عندما قال لها: "هذا الطفل ستسمونه محمود"، في إشارة إلى شعوره بخطر التعرض لرصاص جيش الاحتلال القاتل.
كان محمود يكنى بـ"أبي أنس" احتفاء بالصحابي أنس بن مالك، ويحب هذا الاسم، بحسب زوجته.
لكنه كان أيضًا مؤمنا بأن المشاركة في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية بمحاذاة السياج الفاصل بين قطاع غزة وفلسطين المحتلة سنة 1948، واجب عليه.
يقول شقيقه محمد (32 عاما): "كان متوقعا أن يستشهد، وفي صباح 14 مايو/أيار الماضي صلى الفجر في المسجد واغتسل ثم خاطب زوجته: سامحيني، أشعر أنني سأستشهد".
تمنت عليه زوجته أن يتوقف عن إمكانية استشهاده، ولأن الخوف اعتراها لجأت إلى إخفاء حذائه لئلا يتمكن من المغادرة، لكنه أصر عليها أن تحضره.
يروي محمد أن الشهيد محمود تحدث مع أخيه الأكبر الذي سأله عن مكان تواجده، ورد عليه أنه يشارك في مسيرة العودة التي وصفها بأنها "واجب وجهاد وفرض علينا ولا بد أن نلبي النداء".
وبحسب شقيقه كان يتطلع إلى تربية طفله، لاسيما أنه كان محبا للأطفال ويستجيب لأي طلب منهم ويوزع عليهم الحلويات.
لكن تحقق توقع محمود الذي ارتقى برصاص الاحتلال الإسرائيلي عندما استهدف المشاركين في المسيرة السلمية كعادته، موقعا منذ 30 مارس/آذار الماضي آلاف الشهداء والجرحى بينهم مسعفون وصحفيون.
وبعد ستة أشهر، أنجبت زوجته طفلها الذكر الأول الذي كان يتمنى والده رؤيته.
تقول الزوجة وفاء (20 عاما) لصحيفة "فلسطين": إنها سمته "محمود" ليحمل اسمه أبيه، ولكون الشهيد توقع ذلك أيضًا رغم تفضيله اسم أنس.
لا تزال تتذكر كيف كان يدعو الله أن يرزقه بهذا الطفل بعدما أنجب طفلة، كما أن وصيته برعاية الأطفال لا تغيب عن أذنيها: "الأولاد إذا صار اشي أمانة".
طفلته التي تبلغ من عمرها عاما تنطق كلمات من قبيل: "بابا، سيدو، ستو"، وعندما تنظر إلى صوره تشدها نحوه المشاعر وتشير إلى أمها كأنما تقول: "هذا هو بابا، هل يمكن أن أحضنه؟".
وحتى رضيعها الذي قاطعت صرخاته حديثها، كأنما تباغتها بالسؤال ذاته.
لكن ما تملكه الأم الآن رعاية طفليها وتربيتهما "ليكونا من الصالحين"، تتابع قولها.
وتتطلع إلى أن يتمتع الطفلان بالصحة والعمر الطويل والذرية الصالحة مستقبلا، وأن يصير ابنها محمود طبيبا يخدم بلده وأبناء شعبه الذي يرزح تحت الاحتلال.
تحقق حلم محمود بقدوم طفله الذكر الأول، لكنه لن يتمكن من رؤيته أو معانقته بسبب تلك الرصاصة التي لا تعرف للحياة طعما أو لونا.