بعد مرور سنوات عديدة في القرن الواحد والعشرين، بكل تطوراته العلمية والتكنولوجيا، والأهم الفكرية، ووسط مجتمع من المفترض أنه ينتمي إلى الدين؛ الذي جاء ليقضي على الجاهلية الأولى للعرب، لا تزال بعد العقول تُصر على أن ترث أبرز ملامح هذه الجاهلية، وهي التفريق بين المولود الذكر والأنثى، وتسوّد وجوه هؤلاء حينما يُبشر بالأخيرة.
يظن هؤلاء وهم ليسوا قلة في مجتمعنا الفلسطيني العربي، أن الزوجة مسئولة عن إنجاب الإناث إذا ما تكرر الأمر، ويعدون كثرتهن همًا ومشكلة يجب حلها،إما بإنجاب الذكر أو بالزواج من أخرى من أجل ذلك، "والكثرة هنا أن تنجب طفلتيْن أو أكثر وليس بينهما ذكر".
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يقترف رحمي هكذا ذنب، سكت الناس على مضض في المرة الأولى، وكانت المباركات تلحق بالتمني بأن يطرح هذا الرحم في المرة المقبلة نوعاً آخر، هكذا تقول الشابة (ت.ع) وجميع الأسماء الواردة في التقرير محفوظة لصحيفة "فلسطين" احترامًا لخصوصيات الحالات.
مما دفعها لتعيد الكرة وتنجب أنثى، لكن خفتت أصوات التبريكات، مقابل أصوات الأمنيات بأن لا أفعلها مرة ثالثة، فالأمر لم يعد قابلاً للسكوت عنه.
أما المرة الثالثة، وكما يقول المثل "الثالثة نابتة"، فقد حققت بامتياز هذا المثل، وجئت بالبنت الثالثة.. هنا تعالت الصيحات والتعازي واللوم على ما اقترفته بإصرار وللمرة الثالثة، حتى استحققت بجدارة لقب “أم البنات” فوصمت بها، وما زلت حتى أثبت حسن نيتي وأجلب الذكر الذي سيرفع من قدري ويكفّر شيئاً من ذنبي.
إنجاب مولودة أنثى ما زال يشكل مخاوف لفئة من العائلات في قطاع غزة، فيما يؤمن آخرون أنّ إنجاب الذكور أو الإناث متعلق بالقدرة الإلهية وحدها، وليس للأم يدٌ فيها.
أما الشابة (أ.ق.) فكان حلمها أن يرزقها الله أنثى, ولما رزقت الذكر أصابها "سخط", لكن أقاربها تمنوا الذكر الرابع، اعتقادًا منهم أن الذكور يُمكن أن يُدبروا أمور حياتهم إذا ما بلغوا، أما القلق من مستقبل الأنثى سيبقى يُساورُهم حتى بعد زواجها.
ومما قيل أيضًا في هذا السياق, رزقت بأنثى وكانت فرحتي تعالت في السماء, رغم أن أقاربي يتمنون لي الذكر الخامس, كون الذكور هم محور الإنتاج فمثلا"ما بعد الولد وارث".
ولم تقف تلك الموروثات عند الأمثال والحكم الشعبية؛ بل تجاوز ذلك إلى إطلاق أسماء معينة على المواليد الإناث رغبةً في أن تكون تلك المولودة هي الأخيرة من جنسها لدى أبويها, مثل "كفاية" و"نهاية".
وبدوره قال الاختصاصي النفسي جميل الطهراوي: "الاعتقاد القادم من الثقافة القديمة أن المرأة هي المسئولة عن إنجاب الإناث وليس الرجل"، مشيرًا إلى أن هذه الأفكار مترسبة ومتوارثة، ومن الصعب أن يكون جميع الناس علميين.
وأضاف الطهراوي لـ "صحيفة فلسطين": "من المؤسف أن بعض الاشخاص المتعلمين يتبنون هذه الافكار دون قبول النقاش فيها"، مبينًا أن الزوج يعتقد أنه لو تزوج على زوجته فمن المحتمل أن تنجب الجديدة الذكور، كون الأمر نجح مع البعض.
ولفت إلى أن تفضيل الذكر على الأنثى وفق الأفكار والمعتقدات المتوارثة يتمحور حول النظرة للفتاة على أنها مصدر هم وقلق مستمر، ومسؤولية لا تنتهي، مبينًا أن العديد من الأمثال الشعبية فيها إرث سلبي تجاه الفتاة، مثل: "حية ولدت حية"، "عقربة ولدت عقربة".
وأما في رأي الطب، قال الاستشاري في طب الذكورة ومشاكل العقم عمر فروانة: "وفق العلم الحديث فمن يحدد جنس المولود هو المرأة والرجل معًا"، موضحًا أن الحيوان المنوي للرجل يحتوي على الجنسين الذكر والأنثى؛ لأنه يحمل الكروموسومات (XY) أي ذكر وأنثى، أما بويضة المرأة فلا تحتوي سوى على جنس الأنثى دائمًا، لأنها تحمل الكروموسومات ((XX أي أنثى فقط.
وفي دراسات طبية حديثة، فإن أنواع الطعام التي تتناولها المرأة يمكنها أن تؤثر على المستقبلات المختلفة على جدار البويضة، وقدرتها على جذبالحيوان المنوي الذكري أو الأنثوي، مما يمكنها أن تساعد في تحديد جنس المولود.
واشترطت هذه الدراسات على السيدات اللواتي يرغبن في تحديد جنس المولود بهذا الأسلوب؛ اتباع حمية غذائية لمدة لا تقل عن شهرين لدعم المخزون الغذائي الذي يدعم جنس المولود المرغوب فيه، وتشير هذه الدراسة إلى أن الملاحظ أن النساء النباتيات يحصلن على فرصة أكبر للحصول على مواليد إناث بنسبة عالية.
ويذكر تقرير للمركز الفلسطيني للإحصاء أن نسبة الإناث تشكل نصف المجتمع الفلسطيني تقريبًا بشقّيه في الضفة الغربية وقطاع غزة، بواقع 2.4 مليون من أصل 4.88 ملايين نسمة، وفقًا لإحصاء العام 2016.