فلسطين أون لاين

​تغيير التوقيت.. هل يقلب حياتك رأسًا على عقب؟

...
الأصل في التوقيت منذ قديم الزمان هو التوقيت الشتوي
غزة/ أسماء صرصور:

هل تعلم عزيزي القارئ أن الأصل في التوقيت منذ قديم الزمان هو التوقيت الشتوي! لكن لحسابات مالية واقتصادية وعسكرية، ارتأت بعض الدول اعتماد التوقيت الصيفي لزيادة عدد ساعات النهار والاستفادة القصوى قدر المستطاع من ضوء الشمس.

فعقب الثورة الصناعية واحتياج أصحاب رؤوس الأموال إلى عدد ساعات أكثر لضمان زيادة الإنتاج والأرباح، قرروا زيادة عدد ساعات النهار ساعة زيادة، وفي ألمانيا ولاحتياجهم إلى ضوء الشمس وتخزين طاقته للاستفادة منه في أعمال عسكرية؛ قرروا أيضًا اعتماد التوقيت الصيفي.

وسرى اعتماد التوقيتين صيفي وشتوي بين عدة دول على هذا الأساس بتواريخ وتواقيت محددة لكل دولة على حدة، وإن كانت بعض الدول لم تلتزم به، وبعد مرور وقت على اعتماد التغيير بين التوقيتين تخلت عدد من الدول عنه، وعادت إلى الأصل وهو اعتماد التوقيت الشتوي فقط، أو الصيفي فقط، حسب طبيعة كل دولة وما تحتاجه إنتاجيتها ومواردها واقتصادها.

وهنا في فلسطين، ما زلنا نعتمد تغيير التوقيت بين شتوي وصيفي؛ كوننا أرضا واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، والكثير من الأمور الخاصة بنا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بما يمليه علينا الاحتلال من اشتراطات.

"فلسطين" استطلعت آراء عدد من المواطنين حول المعاناة التي يمرون بها حال التغيير بين التوقيتين، وختمت حديثها بنصائح يسديها باحث مجتمعي لتجاوز ما ينتج من خلل عن التغيير.

تغيير الجوالات مشكلة

نور البنا –ربة منزل- تبين أنه في بداية وقت التغيير بين التوقيتين تعاني من قلقها من انتظام عقارب ساعتها لتضمن وصول أطفالها إلى المدرسة في الوقت المناسب، مشيرة إلى أنها تحتاج وقتًا لتتأقلم حتى مع تغيير مواقيت الصلاة.

وتلفت البنا إلى أنها تحتاج أسبوعين تقريبًا حتى تتماشى ساعتها البيولوجية مع التغيير، موضحة أن التوقيت الشتوي يمتاز بليله الطويل والمميز بجوه البارد الذي يجمع أفراد العائلة أطول وقت ممكن قبل خلودهم إلى النوم، بينما التوقيت الصيفي يعطي مجالاً أوسع لإنجاز كل مشاغلها قبل انتهاء اليوم بغروب الشمس.

بدوره يقول أحمد البرش –موظف حكومي-: "المعاناة التي أمر بها فقط هي تغيير الجوالات الحديثة في وقت غير الوقت الذي تعلنه الحكومة لضبط الساعة، مما يسبب خللًا وارتباكًا في أول أيام التغيير"، مبينًا أن أكثر ما يزعجه في التوقيت الشتوي هو ضياع معظم وقته في الدوام.

ويوضح البرش أن التوقيت الصيفي يساعد أكثر في إنجاز العديد من الأعمال خارج المنزل وفرصة للتنزه مع العائلة، بينما يمتاز التوقيت الشتوي بأنه "ربيع المؤمن" كون ليله الطويل يعطي فرصة للمؤمن لزيادة العبادات والتقرب لله أكثر، وفرصة أكبر لدراسة الطلبة.

ويختم بقوله: "سمعت مقولة لأحد العلماء يذكر فيها أن وقت البركة في نهار الشتاء من الصباح وحتى الظهر، وفي نهار الصيف من العصر وحتى المغرب"، مضيفًا: "اختلاف التوقيت مع اختلاف الفصول نعمة يجدر بنا أن نحسن استغلالها".

أما آية شاهين –صحفية- فتشير إلى أنها تستغرق يومين أو ثلاثة فقط حتى تتأقلم مع تغيير التوقيت من صيفي إلى شتوي، وبالعكس، موضحة أنها تستثمر ليل الشتاء الطويل بطبخ غداء اليوم التالي، وقضاء بعض الزيارات الاجتماعية الخاصة والتي يمكن أن تكون ليلًا، وفي نهار الصيف توزع مهامها حسب ساعات الضوء فيه.الشتاء ربيع المؤمن

من ناحيته يقول أحمد عبيد –مهندس-: "في الانتقال من التوقيت الصيفي للشتوي أتأقلم منذ اللحظة الأولى للتغيير، ولكن في الانتقال من الشتوي إلى الصيفي أعاني من الاستيقاظ المبكر وغالبا أتأقلم عند قرب انتهاء الصيف أي بعد خمسة أشهر".

ويتابع: "ظروف السهر خاصتي غير مرتبطة بفصل معين أو طقس معين أو توقيت معين، فالتوقيت الشتوي يزيد من ساعات النوم صباحًا، فيزيد النشاط العام اليومي"، مكملاً: "ميزة التوقيت الشتوي بالصباح وميزة التوقيت الصيفي بوقت الانتهاء من العمل، لكنني عامةً أفضل التوقيت الشتوي".

من جانبها، توضح أسماء رياض –موظفة قطاع خاص- أن التوقيت الشتوي يعني مرور الوقت بسرعة البرق، وحلول الليل مبكرًا، مما يؤثر على إنجاز بعض الأعمال المحتاجة للضوء مثل المناسبات الاجتماعية.

وتفضل رياض التوقيت الصيفي لقدرتها على إنجاز أكبر قدر ممكن من المواعيد والمناسبات والزيارات، وإن كانت تؤيد رأي البرش سابق الذكر وهو أن "الشتاء ربيع المؤمن" لصيام نهاره، وقيام ليله، وتجتمع فيه العائلة والأهل والأحبة وقت المطر ليتسامروا.

أما محمد النعيزي –موظف حكومي- يشير إلى أنه معتاد على الاستيقاظ مبكرًا لإنجاز بعض المهام قبل ذهابه للعمل، فساعته البيولوجية تتأقلم سريعًا بعد أيام بسيطة من التغيير بين التوقيتين.

ويقول النعيزي: "نهار التوقيت الشتوي قصير، ما يعني انعكاسا سلبيا على إنجاز الشخص في أعماله ونشاطه"، مطالبًا باعتماد بقاء التوقيت الصيفي طوال العام مع تغيّر طفيف في مواعيد الدوام الرسمية بما يتماشى مع فصول السنة.

طبيعة المجتمع

أخيرًا، يؤكد الأكاديمي والباحث المجتمعي سامي عكيلة أنه على كل دولة أن تدرس احتياجاتها وطبيعة المجتمع الخاص بها؛ هل هو مجتمع زراعي أم اقتصادي أم تجاري أم مجتمع موظفين؟ منبهًا أن هذه كلها عوامل تحدد هل تحتاج الدولة اعتماد التوقيت الشتوي أم الصيفي، أم كليهما معًا؟

ويلفت عكيلة إلى أن الانعكاس السلبي لتغيير التوقيت هو ما تعانيه الساعة البيولوجية للإنسان من التغيير المفاجئ للساعة، وهو ما لا يقوى عليه الكثير من الناس، موضحًا أن الناس مع تغيير التوقيت نوعان، نوع لا يتأثر بالتغيير ويتعامل مع الأمر، أنه مجرد تقديم لعقارب الساعة أو تأخير وربما يعود هذا إلى طبيعة عمله التي لن تتأثر بتغيير الساعة.

وأما النوع الثاني –وفق قوله- فهو الصنف الذي تتأثر حياته واجتماعياته وعلاقاته وطبيعة عمله بتغيير التوقيت، فعلى سبيل المثال تعاني المرأة لأنها تعيش في مجتمع محافظ من التوقيت الشتوي فلا تستطيع إنجاز أي أعمال خارج المنزل إن لم يكن برفقتها أحد أفراد العائلة.

ويتابع الباحث المجتمعي: "ويعاني رجال الأعمال من قصر نهار الشتاء فتتأثر مواعيدهم واجتماعاتهم ولقاءاتهم"، وفئة الأمراض المزمنة –حسب قوله- كمرضى القلب، والذين يعانون ارتباكًا بيولوجيًا في وظائفهم الحيوية في أولى مراحل تغيير التوقيت.

ويشير إلى أن فئة أخرى تعاني من تغيير التوقيت، وهم فئة المرضى النفسيين وخاصة مرضى الاكتئاب، والذين يتأثرون في المرحلة الأولى من التغيير حتى يستطيعون الخروج من نظام لآخر، وتدور العجلة ويصدمون مجددًا بتغيير جديد.

نصائح لتجاوز التغيير

وفيما يتعلق بالنصائح التي يوجهها عكيلة للتعامل مع تغيير التوقيت في بدايته، يقول: "من إنسان لآخر تختلف الحالة، وترتيب الأولويات"، مشيرًا إلى أن البداية تكون باليقظة الذهنية بإرسال رسائل ذهنية إلى العقل قبل دخول التغيير حيز التنفيذ بعدة أيام وعدم بقاء قلة الجهوزية حتى ساعة الصفر.

ويوضح أنه على المريض النفسي المعاني من الاكتئاب الاستعداد ومراجعة طبيبه الخاص قبل تغيير التوقيت، وإن استدعى أن يغيّر طبيبه جرعات علاجه بما يناسب الوقت الجديد، وبالنسبة للمريض البيولوجي، فعليه إدراك أن نظاما جديدا قادما ويستشير طبيبه إن كان بحاجة لتعديلات.

وينصح المرأة العاملة بالجلوس مع نفسها وقتًا من الزمن قبل بدء تغيير التوقيت، وإعادة جدولة مواعيدها ومناسباتها الخاصة، ووضع مواعيد جديدة تناسب دراسة الأبناء، وعلاقتها الاجتماعية حتى لا تصاب بصدمة نفسية حال تغيير التوقيت مباشرة دون تهيئة.

ويبين أن التوقيت الشتوي له مميزات قد يجهلها كثيرون كالتقاء العائلة الممتدة في ساعات الليل الطويل وتسامرها واجتماعها حول مائدة واحدة وتجاذب أطراف الحديث، لافتًا إلى أن الليل الطويل فرصة للاختلاء بالنفس إما لإنجاز أعمال خاصة تحتاج تركيزًا وبعدًا عن الضجيج، أو لاختلاء المرء مع ربه وقيام الليل وزيادة العبادات.