تبدي دوائر صنع القرار في (إسرائيل) قناعات متزايدة مع مرور الوقت، أن الأوضاع السياسية الجارية في المنطقة تعدّ فرصة تاريخية أمامها لإعلان السيادة على الضفة الغربية، في ظل العلاقة المميزة مع الإدارة الأمريكية الحالية، والشراكة القائمة في المشاريع السياسية بين الدولتين، والخطوات التاريخية التي يقوم بها الرئيس دونالد ترامب، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ووقف التمويل المالي لوكالة الأونروا.
هذا يعني، بنظر تلك الجهات الإسرائيلية، أننا نقف أمام نافذة تاريخية وسياسية نادرة، ويجب عليها استغلالها من أجل التخلص من كل الإرث الذي تركه اتفاق أوسلو وحل الدولتين، والبدء بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.
تنطلق الأوساط اليمينية بتل أبيب من معطيات مرتبطة بالعوامل السياسية والاجتماعية، المحلية والإقليمية، التي أوصلت غالبية الإسرائيليين وأطرافا بارزة في الإدارة الأمريكية لقناعة مفادها أن فكرة الدولتين ليست هي الحل الملائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل إنه الوقود الذي سيشعل الصراع مجددا، ما يستوجب الطلب من الفلسطينيين التنازل عن الحلم الخاص بهم، والتوقيع على خط حدودي نهائي يضع نهاية للصراع.
قد يكون الوضع الإسرائيلي مشجعاً على تبني مثل هذه الأطروحات التي تحرق سنوات من المفاوضات مع الفلسطينيين، فلديهم معسكرا اليمين واليسار، ويطرحان خياراتهما حول مستقبل حل الصراع مع الفلسطينيين.
فاليسار ينادي بالانفصال عنهم بطريقة أحادية الجانب من الضفة، ومنحهم حق إقامة دولة، فيما يطالب معسكر اليمين بالتحلل التدريجي من تبعات اتفاق أوسلو، وإحداث تغيير في الاتجاه العام للسياسة الإسرائيلية، وبدلا من الأخذ بشعارات "جماعة أوسلو" التي تسعى لفرض الحلول من أعلى إلى أسفل، وإنهاء الصراع، فقد آن أوان لإيجاد واقع سياسي ميداني لحياة مشتركة بين الشعبين في الضفة الغربية، من أسفل إلى أعلى، تمهيدا لحل الصراع رويدا رويدا.
مع العلم أن الخطة اليمينية الإسرائيلية تسعى لإيجاد أغلبية يهودية، وإلغاء الحكم العسكري، وتطبيع الحياة بالضفة، ففي مناطق "أ و ب" حيث يعيش 98% من الفلسطينيين يقام حكم ذاتي، ويمنح الفلسطينيون حركة العمل الكامل في جميع المجالات: التعليم، الثقافة، السياحة، الاقتصاد، الرفاهية، وغيرها.
في حين أن مناطق "ج" في الضفة تفرض فيها إسرائيل قانونها المدني، وتقلل مناطق احتكاكها مع الفلسطينيين، وزيادة حرية حركتهم، وتطوير بناهم التحتية، وإيجاد الظروف المشجعة على إنعاش اقتصادي، وتحسين مستوى الحياة من خلال خطوات ميدانية تحول الجدران إلى جسور.
كل ذلك يعني أن هذه المعطيات قد تشجع المعسكر اليميني المتطرف في إسرائيل، واستغلال هذه الفرصة التاريخية السانحة في هذه المرحلة، بإعلان الخطوة التي ينتظرها اليهود، وهي إعادة السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.. فهل يفعلونها في غفلة من أصحاب الأرض والقضية المنشغلين بما هو أهم كما يبدو؟!