إذا هاجمك أحدهم بينما أنت آمن في بلدك وبيتك.. واعتدى عليك وهمَّ بطردك من مسكنك، واقتلع أشجارك وهدد أمنك وحريتك وحياتك.. فهل ستقف متوجسًا من تحركاته واجمًا منتظرًا خطوته التالية؟ هل ستقف مفكرًا مترددًا في الدفاع عن نفسك وأهلك وممتلكاتك متحسبًا من تبعات استماتتك في دفاعك عن عرضك وشرفك؟ هل ستصرخ طالبًا النجدة التي قد لا تأتيك أبدًا؟ أم أنك ستقف بشجاعة وقوة، وترد الهجوم بالمثل فتتصدى لمن اندفع نحوك يهاجمك وتضع له حدًا وتبذل جهدك لدرء أذاه عنك بكل وسيلة تمتلكها حتى لا يعاوده التفكير بمهاجمتك وأذيتك مرة أخرى؟.
لم تعد مقاومة المعتدي وتجنيد جميع الطاقات التي نمتلكها للدفاع عن وجودنا وأرضنا، حكرًا على فئة دون أخرى بعد الخطوب التي توالت علينا جميعًا وكادت تغرقنا؛ لهذا لم يكن من المستغرب لامرأة احتُلت أرضها وقُتل أهلها وهُجِّرت من مدينتها وقريتها أن تقاوم وترفع السلاح أي سلاح تستطيعه في وجه من هاجمها.. قنبلة تلقيها، حزام ناسف تفجره، سيارة تدعس بها، سكين تطعن بها، حجر تشج به رأس المعتدي، قلم تشرح به فكرها وقضيتها وتعبر فيه عن رأيها وتحرض من خلاله على الدفاع عن النفس وحماية الأرض، شِعر تتغنى فيه بالوطن المسلوب وتحض به على مقاومة الغاصب المحتل، ريشه ترسم بها تبث من خلالها الأمل وتستنهض الهمم لتنطلق إلى تحرير الأرض واستعادة الكرامة...
ولأن المحتل الغاصب لم يكن ليرتدع ويقف في إجرامه وتعديه عند حد أو يفكر في غير مصلحته الخاصة، كان لا بد لأن يهبَّ الجميع إلى توجيه الضربات الموجعة له عله يفيق على نفسه، لأنه لن يوقظه شيء ويجعله يفكر قبل أي خطوة يتخذها سوى التصدي له وإيجاعه.. والمرأة لن تكون بمنأى عن ذلك لأنها تعاني الجرح ذاته.
نسمع من بعض المثبطين عبارات سلبية لا هدف من ورائها إلا الحد من أدوار المرأة وكبت قواها وإبداعاتها، هل انتهى الرجال لتخرج النساء للتصدي للمحتل الذي لا يرحم؟ أليس مكان النساء البيت ودورهن تربية الأبناء والعناية بهم وطاعة الزوج؟ أليست النساء ضعيفات الجسد حتى يحتملن ضغط المقاومة وتضييق المحتل؟ لو أنها ما خرجت من بيتها لما اعتقلت أو أصيبت أو تعرضت لأي أذى.
ويتناسى هؤلاء أن أذى المحتل يصلها لعقر دارها فيقتحموا عليها غرفة نومها لاعتقال أخيها أو زوجها، ويمسوها بسوء حين يوقفونها على الحواجز ويطلقوا عليها النار لمجرد الشبهة.. إذا هي ليس بعيدة عن الأذى.. بل في مرمى نيرانه.. كما يتناسوا أيضًا أن هذه الفلسطينية هي سليلة نساء عربيات مسلمات
مجاهدات تربين في مدرسة النبوة شعارهن الله غايتنا والرسول قدوتنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا، والفلسطينية المجاهدة ليست ببعيدة عن سمية بنت خياط، وأم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية، وأم حرام بنت ملحان، والخنساء تماضر بنت عمرو السلمية... وغيرهن ممن جاهدن ودافعن عن دينهن وبلادهن وأهلهن، فكنَّ نماذجًا يحتذى بهن، وكن قدوة للأمم وأتباع الحق يسيرون على دربهن.
وبما أن المرأة المجاهدة لم ترضَ لنفسها أن تكون كالعود الهش الجاف يميل حيث مالت الريح وتحمله وتلقي به حيث شاءت، بل أصرت أن تكون كالطود العظيم في شموخها وثباتها وعظمتها فليس بمستبعد أن تقع في الأسر، أو تثخن بالجراح أو تستشهد.. وهل يغيب عن بالنا أن المرأة وعلى مر التاريخ قد وقعت في الأسر، ودفعت ضريبة انضمامها لصفوف المدافعين عن فكرهم وأرضهم؟؟ أليس فتح عمورية خير مثال على ذلك؟ فعندما اعتدى الروم البيزنطيين على الثغور الواقعة على أطراف الدولة الإسلامية في عهد الخليفة العباسي المعتصم بالله فهدموا وأحرقوا البيوت وقتلوا الأطفال والشيوخ وأسروا النساء، فصرخت مسلمة أسيرة: وامعتصماه.. فرد عليها رومي ساخرًا: ليأتينك المعتصم على حصان عربي أبلق (أي حصان أصيل قوائمه بيضاء) فسمع الحوار رجل مسلم حمل صرختها وأبلغها للمعتصم الذي قال حينها: لبيك لبيك لبيك.. وأعلن النفير العام، وجيَّش جيشًا عظيمًا قاده بنفسه وفتح به عمورية إحدى أعظم مدن البيزنطيين.. وحرر تلك المرأة وغيرها من الأسر.
وأنت أيتها الفلسطينية الشامخة في الأسر المنيرة خلف القضبان المتزينة بالقيود.. لا يضيرك انهزام الكثيرين وعلى كل المستويات وتراجعهم عن درب الصمود والمقاومة وانحنائهم أمام المحتل ورضاهم بالذل والمهانة.. ولا يرعبك عنف السجان ولا تهديداته بالفتك بك وبأيام عمرك وزهرة شبابك التي تمضي ببطء شديد في ظلام الزنزانة، والقضاء على مستقبلك وكل أمل لك في الحياة.. فالظلم لا ولن يدوم، والمحتل الغاصب إلى زوال، والزنزانة غير باقية ولا القيود..