فلسطين أون لاين

​لدعم ومساندة مريضات السرطان

إيمان شنّن.. قهرت المرض فأنشأت "العون والأمل"

...
غزة - هدى الدلو

حين علمت بإصابتها بسرطان الثدي في التاسعة والعشرين من عمرها، أصيبت بالصدمة، فهي تجربة غريبة لم تستوعبها آنذاك، وشعرت حينها أن بساط الحياة سينسحب من تحت قدميها، وسيتسلل اليأس إلى روحها.

وبعد إجراء أول عملية جراحية، كان القلق يسيطر على كل من حولها، فتحدت نفسها بالنظر إلى المرآة، فلعل ذلك المرض اللعين قد يغير من شكلها، بعدما انتزعت ثوب الفزع من داخلها, وآمنت بقضاء الله وقدره، فوجدت نفسها كما هي لم تتغير، وهنا بدأت تنكر مرضها، وتتعامل معه كمرض عادي، رغم توالي المشاكل الصحية عليها، ولكن بفضل الله استطاعت أن تتغلب عليها.

إيمان شنن (48 عامًا)، رفضت الاستسلام والمكوث في أسرة المرض، وسعت نحو التفكير كثيرًا كيف تتمكن من أن تصنع من التجربة شيء يخفف عليها وعلى الأخريات من وطأة المرض الخبيث، ومن هنا بدأت بالتفكير في استثمار الماء وتحويله لمصدر طاقة وقوة دافعة، وحولت التحديات لفرص، وفكرت في إنشاء جمعية تعني بمرضى السرطان في غزة وكانت "العون والأمل".

شنن، ولدت وترعرعت في مدينة غزة، كأي فتاه فلسطينية كانت أحلامها تكبر عمرها رغم صغر سنها، وكان حلمها دراسة القانون لتصبح محامية ثم قاضية، ودافعها وراء هذا الحلم هو الرغبة في الدفاع عن المظلومين والمسحوقين، وتناضل من أجل حلمها ولكنه لم يتحقق.

قالت: "آنذاك لم يكن في غزة كلية حقوق، فاضطررت لدراسة اللغة الانجليزية، ومع بدء الانتفاضة الأولى أغلقت كل الجامعات فقررت الالتحاق في الجامعات المصرية، ولم أنجح في دراسة الحقوق ودرست اللغة الانجليزية مرة أخرى".

لم تجد نفسها في مجال التدريس أو حتى الترجمة التي تخصصت بها، وانسحبت في العمل في مجال الدفاع عن حقوق النساء، والاجحاف في مجال القوانين والتشريعات، وفي مجال تدريب الجندر، ومهارات المفاوضة والتأثير، "وكنت أفرح دائمًا حين يظن الناس بأنني محامية"، وفق قولها.

وتتابع شنن حديثها: "وقت إصابتي بالمرض، لم يكن في غزة أي مؤسسات أهلية تقدم خدمات لمرضى السرطان، ومن هنا جاءت فكرة جمعية برنامج العون والأمل لرعاية مرضى السرطان في بداية 2009"، مشيرة إلى أنها واجهت في بداية التأسيس صعوبات جمة حتى حصلت على ترخيص بتأسيس الجمعية، وكانت الرائدة والأولى في قطاع غزة في هذا المجال".

ولحسن حظها، فإن اكتشاف إصابتها بالمرض ساعدها في الشفاء منه، وبعدما شفيت تمامًا، لم تنسى المصابات الأخريات اللواتي تركتهن على أسرة المرض، فتجرعها من نفس الكأس جعلها تشعر بهن، فكان ذلك دافعًا قويًا نحو تأسيس الجمعية للاهتمام باحتياجاتهن.

مشاريع وبرامج الجمعية

وأوضحت أن جمعية برنامج العون والأمل لرعاية مرضى السرطان، هي جمعية صحية إجتماعية فلسطينية غير ربحية، أنشأت في غزة منذ عشرة أعوام، وتخصصت في تقديم المساعدة للمرضى في كل المناحي، وتحديدًا النساء المصابات بسرطان الثدي، ومشيرة إلى أنها تعدّ الجمعية الأولى من نوعها في فلسطين، وتحسن جودة الحياة لمريضات السرطان.

وبينت شنن أن الجمعية تقدم عدة مشاريع وأنشطة تقدم الدعم النفسي والاجتماعي لمريضات السرطان والناجيات منه، كبرنامج الكشف المبكر عن سرطان الثدي، وتعليم سبل الفحص الذاتي، بعقد ورشات توعية دورية للوصول إلى أكبر عدد ممكن من النساء في قطاع غزة، ونشر ثقافة الفحص الذاتي وأهمية الكشف المبكر عن سرطان الثدي.

ومن برامج الجمعية، لفتت إلى أنها أنشأت صناديق للعلاج، حيث أسست الجمعية صندوقين أساسيين لعلاج مريضات السرطان، صندوق فرحة التابع لبرنامج العون والأمل والذي سمي بهذا الاسم تيمنًا بالسيدة فرحة الفيومي التي توفيت وهي تنتظر السفر للعلاج، وهذا الصندوق بالشراكة مع مؤسسة الحسين للسرطان.

ويغطي تكاليف العلاج والإقامة والمصاريف الشخصية للمريضات المحولات من قطاع غزة، والذي قدم حتي اللحظة العلاج لـ36 مريضة، وصندوق التعاون لتوفير علاج بيولوجي الهيرسيبتن الذي لا يتوفر بغزة لـ 8 نساء لا يستطعن السفر خارج قطاع غزة، وذلك من خلال مشروع ممول من مؤسسة التعاون.

واستكملت شنن: "وتقدم الجمعية برنامج الدعم النفسي والاجتماعي، من خلال برنامج فضفضة، وهو تجمع أسبوعي للنساء، و تأسيس نادي الناجيات (The Rose) وهو الأول فلسطينيًا وعربيًا"، وهو نادٍ يعنى بالناجيات من سرطان الثدي ويهدف إلى توعيتهم ورفع مهاراتهن في عده مجالات (الاتصال والتواصل-اللغة الانجليزية -الكمبيوتر -الضغط والمناصرة – حقوق المرأة).

ولفتت إلى أن "العون والأمل" اهتمت بعمل ورشات تصنيع الأثداء الصناعية، حيث تصنعها النساء الناجيات وتوزعها مجانًا على النساء المصابات، وفكرتها أن المرأة الفقيرة المصابة تستطيع وضع قطعة صناعية بدلًا من شراءها بـ٣٠٠ دولار أمريكي، ولكن ما يصنع لا يكلفها أكثر من ٢٠ دولار، مما يعزز من وضعهم النفسي، وصنع عام 2017 (230) ثديًا صناعيًا، بالإضافة إلى توزيع باروكات الشعر للنساء بعد العلاج الكيماوي، حيث وزعت 100 باروكة شعر.

وتنظم الجمعية رحلات ترفيهية شهريًّا للنساء داخل قطاع غزة، بالإضافة إلى تنظيم 4 رحلات للصلاة في المسجد الأقصى في القدس خلال العامين 2015 و 2016، وخدمات العلاج الطبيعي للنساء بعد عملية الاستئصال، وجمع التبرعات لشراء الأدوية الهرمونية لصالح المريضات.

وجاءت هذا الجمعية كنوع من الإنقاذ ومد يد العون للمريضات بسبب النقص الحاد في الأدوية، والأجهزة الخاصة بالكشف المبكر والعلاج، ومن العقبات التي تواجه مريضات السرطان عدم إدراجهم على أولويات أجندة الجهات الممولة، إلى جانب الصورة النمطية للمرأة في المجتمع، والمغلوطة عن مرض السرطان، حيث كانت الثقافة المجتمعية السائدة ترى أن الحديث عن مرض السرطان من "التابوهات" الممنوعة وأنه أمر يدعو للخجل والتكتيم، وعدم وعي المجتمع بأهمية الفحص المبكر للسرطان.

وخلال عملها في الجمعية، كانت قصص النساء اللاتي هجرهن أزواجهن، أكثر ما أثر بها، هذا عدا عن تعرضهن للعنف اليومي بسبب السرطان، مما كان دافعًا قويًا لعمل برامج تساند النساء ودعمهن من أجل تمكينهن في المجتمع.

ونبهت شنن إلى أن مريضة السرطان ليست بحاجة إلى نظرات الشفقة، فكل ما في الأمر أنهن ابتلين بالمرض، وكل ما يحتاجونه هو الدعم والمساندة، وإعطائهن الأمل والثقة بالنفس.

وتمكنت "العون والأمل" العام الماضي بفعل إرادة شنن التي لا تعرف المستحيل وفريقها، بدخول موسوعة غينتس للأرقام القياسية، ضمن حملة "غزة بلون وردي" لتحطم رقمًا قياسيًا.

وختمت شنن حديثها: "وإيمانًا بأن الحق في الحياة حق مقدس، وبناء على واقع مرضى السرطان فأننا نرى ضرورة تحسين جودة الحياة، وتعزيز الوعي المجتمعي بكل القضايا المتعلقة بالسرطان"، مؤكدة أنه يجب على الجميع التكاثف لحل مشاكل مريضات السرطان، والمتمثلة في نقص الأدوية الحاد بسبب الحصار المفروض على القطاع، وتسهيل حرية الحركة لهن للسفر من أجل العلاج.