فلسطين أون لاين

​الشهيد عمر النايف.. حكاية مناضل بدأت في سنٍّ مبكّرة

...
عمر النايف
غزة - نور الدين صالح

نضالات عظيمة وثقها تاريخ الكفاح الفلسطيني للثائر "عمر النايف" حتى غدا عنوانًا يشار إليه ببنان الفخر لما سطره من تضحيات جسام منذ أن كان شبلًا يتجذر حب الوطن في قلبه.

في ثمانينيات القرن الماضي، شهدت أزقة مدينة جنين شمالي الضفة الغربية المُحتلة بطولات هذا الفتى بدأت أولى خطواتها بالتصدي لاقتحامات جنود الاحتلال الإسرائيلي برشق الحجارة وصولًا إلى العمليات المؤلمة.

عمر النايف الذي رحل بعد أن أنهى سنته الثانية بعد الخمسين، كان قياديًا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لم تكن اقتحامات جنين تخيفه بل كانت تبعث في نفسه روح الحماسة فيكون أول المبادرين للتصدي لجنود الاحتلال.

ويتحدث حمزة النايف عن بطولات شقيقه كونه يعتبر نفسه شاهدًا على بطولات "عمر" وعايش معه محطات مهمة في العمل النضالي.

في منتصف نوفمبر عام 1986، نفّذ "عمر" عملية فدائية في مدينة القدس المُحتلة أسفرت عن مقتل مستوطن إسرائيلي، واعتقلته قوات الاحتلال على إثرها، وحكمت عليه بالسجن المؤبد، كما يروي شقيقه حمزة لـ"فلسطين".

ويقول حمزة: إن شقيقه لم يمضِ سوى أربع سنوات من فترة حكمه، حتى خاض إضراباً مفتوحاً عن الطعام استمر 40 يوماً، احتجاجاً على تعامل إدارة السجون معه، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية ونقله للمستشفى".

ويحكي أن شقيقه استعاد صحته بعد أيام من تواجده في مستشفى بيت لحم، عام 1990، مما مكّنه من الهروب بالتعاون مع عددٍ من رفاقه في الجبهة الشعبية، ظلّ بعدها 4 سنوات مُلاحقاً في الأراضي الفلسطينية.

رحلة التهريب

مسلسل النضال استمر مع عمر بعد سلسلة من المُطاردات والمُلاحقات من قوات الاحتلال، إلى أن قرر السفر إلى سوريا لاستكمال عمله النضالي من هناك.

كانت تلك بداية رحلة التعب والمشقة، لا سيّما أن عمر النايف محظور من السفر، كما يقول شقيقه "حمزة"، حيث نبه إلى أنه اضطر للسفر تهريبًا عبر التنقل إلى دول عدة قبل الوصول إلى سوريا.

في أولى خطوات الرحلة انتقل عمر من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، ومن ثم إلى مصر، التي مكث فيها عدة أيام، قبل أن يتنقل بين ليبيا وتونس، إلى أن حصل على جواز سفر سمح له بالسفر لسوريا، حسب ما ذكر حمزة.

ويشير حمزة إلى أن شقيقه استمر في عمله النضالي في صفوف الجبهة الشعبية أثناء تواجده في سوريا، لكنّ شقيقًا لهم يتواجد في بلغاريا كان يطلب من عمر التوجه إلى بلغاريا للعمل معه في التجارة.

ويقول: "انتقل إلى بلغاريا في عام 1994، تهريبًا بعد حصوله على جوار سفر يمني.

ويتابع مشيدًا بهمة شقيقه: "حتى في بلغاريا لم يتوقف عمر عن المشاركة في تنظيم الفعاليات المتعلقة بالجالية الفلسطينية هناك، ومساعدة اللاجئين، ومنهم السوريون".

حياته الاجتماعية

وخلال حديثه المتواصل مع "فلسطين" يستعرض حمزة، مناقب شقيقه عمر قائلاً: "كان ينتمي إلى مدينته جنين ويحبها كثيرًا، وهناك تزوج فتاة ورزق منها بـ3 أولاد وبنت، وكان يتمتع بعلاقة طيبة مع عائلته وأبنائه، ويتميز بابتسامته ومرحه الدائم".

أما على صعيد والدته وأشقائه، يروي "حمزة" والغصّة تجتاح قلبه: "نحن ثمانية أخوة، وكان بعضنا مشتتين في عدة دول وآخرين في سجون الاحتلال، ما أجبرنا على عدم الالتقاء ورؤية بعضهم".

آخر لقاء جمع والدته بشقيقه عمر كان قبل حوالي 20 عاماً، إذ كانت الوالدة تعاني من عدة أمراض ومنشغلة بحمزة الذي أمضى 26 عامًا في سجون الاحتلال إلى أن أُفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار وأُبعد إلى الأردن.

الاغتيال والتحقيق

ويسرد حمزة حيثيات استشهاد شقيقه، ففي صبيحة يوم الجمعة 26 فبراير 2016، وُجِدَ مضرجًا بدمائه في ساحة مبنى سفارة السلطة الفلسطينية في بلغاريا، وقد تبيّن وجود ضربات على وجهه وجسده.

وعاد بذاكرته للوراء قليلاً بقوله: "في منتصف ديسمبر عام 2015، قدمت النيابة العسكرية التابعة للاحتلال الإسرائيلي، رسميًا وللمرّة الأولى، طلبًا لدى وزارة العدل البلغارية بتسليم عمر النايف، وصدر قرارٌ من النيابة العامة البلغارية باعتقاله إلى حين البت بشأن وضعه".

حينها اضطر عمر للجوء إلى سفارة السلطة الفلسطينيّة في بلغاريا لحمايته، خصوصًا بعد تهديده بالقتل. وحسب ما ورد فيما بعد، أنه تلقى ضغوطاتٍ كبيرة من السفارة الفلسطينية، وقد حيكت المؤامرة ضده من أجل تسليمه، ولم يجد الحماية الكاملة فيها آنذاك، كما يقول حمزة.

وعقب وقوع الجريمة أوفدت السلطة الفلسطينية لجنة للتحقيق في مُجرياتها، للكشف عن الجهة التي تقف خلفها.

ويقول حمزة: إن بصمات الموساد الإسرائيلي واضحة، كاشفًا أن وزير الخارجية في حكومة السلطة برام الله رياض المالكي تدخل شخصياً عند إصدار النتائج.

ويؤكد أن كل الُمعطيات تُشير إلى تورط أيادٍ من داخل السفارة الفلسطينية في بلغاريا وهو ما يُشكّل إدانة واضحة للسفير أحمد المذبوح في بلغاريا، مُشيراً إلى صدور تقرير يفيد باغتيال عمر دون إدانات من السلطة.

عائلة "النايف" انسحبت من التحقيق، عقب ما جرى، فيما أرسلت السلطة لجنة ثانية للتحقيق، لكّنها لم تتوصل لأي شيء حتى اللحظة، رغم وضوح القضية والمتورطين في الجريمة، كما يقول حمزة.

واتهم السلطة بأنها "متورطة في الجريمة وهي غير معنية بالتوصل لأي نتائج في التحقيقات"، منبّهاً إلى وجود تعاون بين (اسرائيل) والسلطة وبلغاريا، لقبر نتيجة التحقيقات وعدم محاسبة أي طرف.

ويطالب "حمزة" رفاق عمر في الجبهة الشعبية والقيادة السياسية والفصائل الفلسطينية، بمتابعة ملف جريمة الاغتيال، كي يأخذ المغدور حقه، "فقد أمضى حياته فداءً للوطن والقضية الفلسطينية".

ولا تزال قضية الشهيد عمر النايف عالقة، حيث لم تصدر أي نتائج عن اللجان التي أوفدتها السلطة، مما يثير الشبهات حول دورها في الجريمة، في حين أغلقت الحكومة البلغارية ملف التحقيق وأبلغت زوجته بذلك.