فلسطين أون لاين

​الشهيد أبو لبدة ودّع الحياة بتكبيرة اخترقت حنجرته

...
تصوير / رمضان الأغا
غزة - نسمة حمتو

"الله أكبر.. الله أكبر.. دمنا واحد والله واحد".. هذه آخر الكلمات التي تلفظ بها الشهيد أحمد أبو لبدة قبل أن تصيبه رصاصة قاتلة أطلقها قناصة جيش الاحتلال الإسرائيلي، فكانت الأنفاس الأخيرة مُعبَّأة بأمنيات عمرها أكثر من 10 أعوام، فمنذ زمن وهو يتمنى الشهادة، فكانت لحظاته الأخيرة تملؤها التكبيرات، كأنه رأى الموت بعينيه قبل اقترابه من الحدود وتلقيه تلك الرصاصة الغادرة في صدره.

السلك الزائل

قصة أحمد بدأت مع بداية مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار في الثلاثين من مارس/ آذار من العام الحالي، وكان قلبه مطمئنًّا بأن شيئًا ما سيحدث؛ سيكون خارقًا في هذه المسيرات، والعائلة كلها مناضلة مقاومة، وتشارك في مسيرات العودة باستمرار في مخيم العودة شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.

صقر أبو لبدة شقيق أحمد قال لـ"فلسطين" عن آخر لقاء جمعه بشقيقه: "كنت معه في آخر لحظاته، كان دائمًا ثائرًا، يقترب كثيرًا من السياج الفاصل، ولا يتراجع أبدًا على الرغم من خطورة هذا المكان".

وفي هذه الجمعة –والحديث لشقيقه- ارتفع صوته عاليًا وقال: "الله أكبر الله أكبر الله واحد" واقترب كثيرًا من السياج لتكون هذه الكلمات الأخيرة التي يتحدث بها.

وأضاف وهو يتذكر شقيقه المبتسم دائمًا: "قبل خروج أحمد من المنزل، قال لوالدتي وأخواتي: هذه الأمنية أتمناها منذ زمن، ادعوا لي بأن أستشهد، سأعود شهيدًا بإذن الله"، وبالفعل نال ما تمنى رغم تحذيرات والدته الدائمة له بألا يقترب من السلك الزائل.

رباط دائم

وتابع حديثه وقلبه ينفطر ألمًا على فراق شقيقه: "منذ بدأت المسيرات ونحن نرابط 24 ساعة على الحدود، وكان أحمد متعلقًا جدًا بالمسيرات".

ويوضح صقر أنهم ثلاثة أشقاء، جميعهم أصيبوا في مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار: "أخي الأصغر أصيب في البطن، وأنا أصبت أربع إصابات اثنتين في القدم وواحدة في الصدر والأخيرة في الكتف، واستشهد أحمد".

وأشار أبو لبدة إلى أن شقيقه كان حنونًا جدًّا، وطيب القلب، ومحبوبًا من الجميع، ولا يتأخر عن خدمة أحد، مضيفًا: "رحمه الله دمه فداء للأقصى، جميعنا فداء للعودة وللقدس، ولن نتراجع عن واجبنا أبدًا".

صلاة الفجر

ومضى بالقول: "كان أحمد ضحوكًا جدًا، ومعروفًا بقلبه الطيب، وحبه الكبير لوالدي ووالدتي وأخواتي، لنا 11 أختًا كان يذهب كل يوم لزيارة واحدة منهنَّ، وكل يوم قبل صلاة الفجر كان يستيقظ ويوقظنا جميعًا من أجل الصلاة".

وأكد أبو لبدة أن شقيقه كان دائمًا يرابط في الصفوف الأمامية، ولا ترهبه قناصة الاحتلال الإسرائيلي، قائلًا: "أحمد ابن المساجد، ويذهب للصلاة دائمًا في المسجد، ولا يتأخر عن صلاة الفجر".

وأكمل حديثه عن شقيقه: "أحمد هو الروح المرحة الجميلة في البيت، والوجه المبتسم، والمحبوب لدى الجميع حتى من الجيران والأصدقاء".

الوجه المبتسم

وقال: "ما زلت أذكر أحمد هو يتوسل والدتي كل يوم أن تدعو له بالشهادة، ويحقق أمنيته، حتى أنه كان يطلب من الشباب أصدقائه الدعاء له بالشهادة، فمنذ صغره وهو يحب الرباط والشهادة"، كأن قلبه كان يشعر بأنه سيموت شهيدًا كما تمنى.

أخيرًا قال شقيقه صقر: "جميعنا نتمنى الشهادة فداء للوطن، وفداء للأقصى والعودة، ولن نتراجع عن مشاركتنا في المسيرات، حتى لو استشهدنا جميعًا فهذا حق وواجب علينا، ويجب ألّا نتراجع عنه مهما كلفنا الأمر".

وأصدرت وزارة الصحة بيانًا أول من أمس الجمعة تحدثت فيه عن طبيعة الإصابات التي تعاملت معها الطواقم الطبية للشهداء والجرحى خلال الجمعة الحادية والثلاثين بعنوان (غزة صامدة لن تركع) ضمن فعاليات مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار.

وبينت فيه أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استخدمت القوة القاتلة متعمدة لارتكاب مجزرة مع اللحظات الأولى لتجمع المواطنين السلميين في مخيمات العودة شرق قطاع غزة، متابعة: "مما أدى إلى استشهاد خمسة مواطنين، أصيبوا بالرصاص الحي المباشر في الرأس والصدر، إضافة إلى إصابة 232 مواطنًا بجراح بين معقدة وخطيرة بأنواع مختلفة من الرصاص الحي، ومن بين الإصابات 35 طفلًا و4 مسعفين".