من الواضح أن تتابع زيارتي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عُمان يؤشر على أن شيئًا ما يرتب على صعيد العملية التفاوضية بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال؛ فعُمان تميزت من غيرها من المشيخات الخليجية هي والكويت بالموقف من العديد من الأزمات، فهي لم تشارك فيما يسمى التحالف العربي والعدوان على اليمن، وكذلك أبقت على علاقة متميزة مع إيران رغم الموقف الخليجي العدائي لها، والداعم لفرض العقوبات الأمريكية عليها، وكذلك موقفها المتميز غير الداعم للحرب العدوانية التي شنت على سوريا ودعمتها وأيدتها المشيخات الخليجية الرئيسة: السعودية وقطر والإمارات العربية، ولعل مسقط كانت واحدة من المحطات المهمة في التوصل إلى الاتفاق الأمريكي- الإيراني بشأن ملف إيران النووي.
ومسقط ليست من عواصم المواجهة، لكي تقدم على خرق "الصنم" المسمى المبادرة العربية للسلام، الذي ينص على عدم التطبيع العربي مع كيان الاحتلال قبل انسحابه الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، ولكن يبدو أن الفشل السعودي في تطويع الحلقة الفلسطينية للموافقة على صفقة القرن وقبولها، والتطورات اللاحقة التي حدثت على صعيد الدور السعودي الراسمة إياه أمريكا، ولم يحصد سوى الهزائم السياسية والعسكرية في عهد ابن سلمان؛ فمن الهزيمة في العراق إلى الهزيمة القاصمة للمشروع والدور السعوديين في سوريا، وما يتصل بها من هزيمة للدور السعودي في لبنان، وكذلك الهزيمة الكبرى في عدم القدرة على إلحاق الهزيمة بجماعة أنصار الله "الحوثيين"، وبذلك تطويع الحلقة اليمنية لخدمة المشروع السعودي- الإسرائيلي- الأمريكي في المنطقة، ولتأتي الكارثة الكبرى التي وضعت علامات استفهام كبيرة على قدرة السعودية على القيام بالدور المنوط بها، وكذلك تسيُّد العالم العربي- الإسلامي، حيث كانت عملية قتل المعارض السعودي جمال الخاشقجي وتقطيعه في سفارة بلاده بتركيا، وما نتج عنها من استتباعات تؤشر على أفول دور السعودية قائدة للعالم العربي- الإسلامي، ولذلك لابد من توزيع الدور والمهمة المسندين إلى السعودية على أكثر من دولة، ولربما مسقط المعروفة بعلاقاتها المتوازنة مع الكثير من الأطراف في المنطقة، بعد تعثر الحل الأمريكي وفق ما يسمى صفقة القرن؛ اختيرت لتلعب دورًا في قيادة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وربما يكون هذا الدور يحظى بموافقة أمريكية – روسية.
وأيًّا تكن الحجج والذرائع فما حدث هو سقوط مريع في وحل التطبيع، فلا يمكن مطلقًا أن تناقش القضايا المبدئية بلغة المصالح السياسية، والإستراتيجيات لا تقارب بلغة التكتيك، فروسيا عرضت عليها المشيخات الخليجية المشاركة في الحرب العدوانية على سوريا 400 مليار دولار، لكي تتخلى عن القيادة السورية وسوريا، ولكنها رفضت ذلك العرض المغري. الاحتلال يريد الاستفادة من أي فرصة للتطبيع العلني مع أي دولة عربية، لكي يظهر بمظهر القوي والقادر على التلاعب بأوراق المنطقة، مع أنه في مأزق يتعمق.
وهذا "الاندلاق" التطبيعي العربي لا يمكن تفسيره أو تسويغه، فكيان الاحتلال لم يقدم أي شيء، يمكن أن يفسر هذا التطبيع العربي المجاني، وهذه السقطة الكبيرة لعُمان أصابت شعبنا وقضيتنا الفلسطينية في الصميم.