يقف أحدنا مشدوهاً أمام حالة الهرولة العربية الرسمية بالذات نحو تطبيع العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية، وآخرها الرياضية مع (إسرائيل)، حتى لو كانت من باب الالتزام بالمعايير الدولية، التي تنص عليها اتحادات الرياضة العالمية.
تزداد الدهشة فينا من هذا التسارع المهين في العلاقات العربية الإسرائيلية، في الوقت الذي تواجه فيه (إسرائيل) نبذا عالميا ورفضا في كثير من عواصم صنع القرار حول العالم، بما فيها أجسام برلمانية منتخبة، وليس فقط محافل شعبية أو منتديات شبابية غير رسمية، وكان آخرها البرلمان الأوروبي.
تدرك هذه الدول مجتمعة وفرادى: مصر، الأردن، السعودية، قطر، الإمارات، عمان، المغرب، وسواها إن خانتني الذاكرة في زمن الخيانات العلنية، أن مصلحتها الميكيافيلية مع إسرائيل تحقق لها أضعافا مضاعفة مما قد يحققه إبقاء حالة القطيعة معها، لاسيما في ظل وجود ترمب، الذي يعلنها بدون مواربة أن مقدار رضاه عنها مرتبط بمدى انخراط إسرائيل في هذه المنطقة، وطي صفحة محاربتها، أو استمرار حالة الاشتباك معها.
تتزامن هذه العلاقات البينية بين كل دولة عربية على حدة مع إسرائيل، فيما تعيش هذه الدول العربية بينها حالة من القطيعة والخصومة، بل والفجور في الخصومة، فهل من المعقول أن يرفع العلم الإسرائيلي في أبو ظبي والدوحة، وينشد فيهما النشيد القومي الإسرائيلي "هاتكفا"، وبينهما ما بينهما من الحرب المعلنة، والشتائم المتبادلة، ونشر الغسيل على الهواء مباشرة؟!
اللافت أن الرأي العام الشعبي داخل هذه العواصم مجتمعة، يعلن رفضه واستنكاره وإدانته، لاستقبال الوفود الإسرائيلية على ترابها الوطني، فتلك الجماهير العربية ما زالت ترى، وستبقى ترى، في إسرائيل دولة محتلة غاصبة، لأراضي أشقائهم الفلسطينيين، تطلق عليهم النار باليد اليمنى، وتصافح الزعماء العرب باليد اليسرى، وعليها من آثار دم الفلسطيني ما لا تغسله دماء الخليج العربي والبحرين المتوسط والأحمر.
إن استمراء تلك الأنظمة في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وهي تدير الظهر لما يعتمل في نفوس مواطنيها، ويجد طريقه في التعبير عبر وسائل الإعلام، وعرائض التوقيع، والمظاهرات المنددة، إنما يعني أن هذه الأنظمة مجتمعة ترى أن حبلها السري في هذه الحياة مرتبط خارج عواصمها، وأن تل أبيب مع واشنطن هي من تمسك بزمام بقائها في عروشها أم لا.
لم تستفد أنظمة التطبيع مما واجهته أنظمة سابقة لها، حين سقطت صريعة مغشياً عليها قبل سنوات قليلة فقط، شاهدنا ذلك بأم العين، وراقبنا لحظات سقوطها ساعة بساعة، لأنها قدمت علاقاتها مع الآخر الأجنبي المحتل، والإسرائيلي على رأسه، على الحفاظ على بعدها الشعبي الجماهيري، فكان ما كان، ومن يدري لعل التاريخ يدور دورته من جديد، حينها لن تنفعها زيارات ولا اتصالات ولا تطبيع مع إسرائيل.