كان ذلك الوجه البشوش يتمنى ألا يكون سببًا في إيذاء أحد يومًا، فكان حريصًا جدًّا على عمل الخير، وفي كل صلاة له يدعو الله أن يرزقه الشهادة، ويلحقه برفيق دربه عبد الرحمن عقل، الذي استشهد الإثنين في الرابع عشر من أيار (مايو) من العام الجاري إثر مشاركته في أحداث مليونية العودة.
ولم يكن حب الجهاد والمشاركة في فعاليات مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار شيئًا هينًا لدى الشهيد منتصر الباز (17 عامًا)، فكان يشجع دائمًا على المشاركة في مسيرات العودة من أجل الوطن والحياة، ومن أجل أن يُرفع الحصار عن غزة، حتى نال الشهادة أول أمس الثلاثاء، عقب مشاركته في مواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي شرقي مدينة دير البلح.
حب الوطن
جميل الباز عم الشهيد منتصر تحدث إلى "فلسطين" عن ذكرياته معه: "مسيرات العودة أمر واقع، فيجب ألا نستسلم حتى نحقق أهدافنا ونرفع الحصار عن غزة، ومنتصر كغيره من الشباب الثائرين كان يرى العودة حلمًا يجب أن يتحقق".
وأضاف وهو يتذكر اللحظات الأخيرة التي جمعته به: "كان أسدًا مقدامًا وبطلًا كبيرًا، وكنت أنظر إليه فأرى الشهادة في عينيه، فمنتصر على صغر سنه كان يختلف عن أبناء جيله وتطلعاتهم، ويكفي نضاله في مسيرات العودة".
آخر صلاة
تابع الباز حديثه: "منذ ثلاثة أسابيع أراه يبتسم رغم صمته الطويل، وفي يوم استشهاده طلب من والدته أن تعطيه 10 شواكل فقط ليذهب إلى مسيرة العودة، وقال لها: (السلام عليكم، ادعيلي)"، مشيرًا إلى أنه صلى في المسجد، وقال لرفاقه يومها: "هذه آخر صلاة أصليها معكم، والصلاة التالية سأصليها عند الله".
منتصر كان صغيرًا، لكنه حرص دومًا على عمل الخير وتقديم المساعدة لغيره دون أن يقول شيئًا عن هذه المساعدات، وكل ما يحصل عليه من مال كان ينفقه على الأطفال في الشارع وعلى شقيقاته.
وأشار الباز إلى أن جميع سكان الحي الذي يعيش فيه يشهدون بصيته الحسن وكلماته الطيبة وتعامله مع الجميع بقلب أبيض طيب، مضيفًا: "بعد استشهاده جميع سكان المنطقة قالوا: "لم نجد في حياتنا شابًّا حنونًا مثله"، في أي مناسبة كان يذهب إلى القريب والغريب، كان يحب فعل الخير دائمًا".
في الصفوف الأمامية
وأكمل حديثه: "كان منتصر شعلة من النشاط، ويكفي ما فعله يوم استشهاده، فكل من كانوا معه قالوا إنه اقترب من الدبابة أكثر من مرة، وحاول إرعاب العدو الصهيوني، فصبوا جام غضبهم عليه برصاصة في رأسه".
وقال: "هؤلاء الجنود المصطفون على حدود غزة يحاولون ممارسة إرهابهم على الشباب المشاركين الثائرين لإيقاف مسيرات العودة، ولكن بإذن الله لن تتوقف إلا إذا تحققت مطالبنا".
منتصر كان دومًا في الصفوف الأمامية في المسيرات، إما يسحب السلك أو يساعد الجرحى، وأكثر من مرة حوصر خلف السلك الزائل وأُخرج بصعوبة من هناك، فكان يبذل كل جهده من أجل أمنيته بالشهادة ونالها.
شقيق الروح
صديق منتصر المقرب معاذ المغاري، تحدث كذلك عن شقيق الروح، وقال: "دائمًا كان يتمنى الشهادة، ويشجعنا على الذهاب إلى مسيرات العودة"، مشيرًا إلى أنه لم يتفاجأ بخبر استشهاده، فهو منذ استشهد صديقه المقرب عبد الرحمن عقل تمنى اللحاق به.
وأضاف وهو يتذكر صديقيه: "كانت روحاهما معلقة كل منهما بالأخرى، وعلاقتهما قوية جدًّا، وعندما استشهد عبد الرحمن كان حزن منتصر كبيرًا جدًّا، وساء وضعه، فكان مصابًا في قدمه ولا يستطيع الحركة، وخسر أقرب صديق إلى قلبه".
تابع قوله: "منتصر أصيب أكثر من 4 مرات في قدمه، وفي كل مرة كان يتمنى الشهادة"، وهذا الشاب محبوب عند الجميع، لا يميز بين أحد من رفاقه، وهو ابن مسجد الشهداء في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وكان حريصًا –وفق قوله صديقه- على حفظ القرآن الكريم، وقيام الليل، وينام في المسجد، ويصلي الفجر، ويستمر في قراءة القرآن حتى طلوع الشمس.