أي مسألة لا بد من وجود حل لها مهما بلغت تعقيداتها، والحلول لا تسقط من السماء ولا تتفجر من باطن الأرض، وإنما هي موجودة لدينا، والمطلوب فقط إعمال العقل لاستخراجها، ونجاح ذلك يعتمد على الأدوات التي يمتلكها الباحث عن الحلول والأفكار الخلاقة، وقبل الأدوات لا بد من إرادة دافعة لتحقيق الهدف.
مسيرات العودة الكبرى كانت مجرد فكرة قابلها البعض باستحسان وتجاهلها البعض، ولكن الفكرة تحولت إلى فعل، ثم أصبحت سلاحا إستراتيجيا قلب الأمور رأسا على عقب لصالح قطاع غزة. في غزة يصنعون السلاح من لا شيء، أو من أثمن الأشياء، ربما يكون قطاع غزة من أكثر المناطق إنتاجا للأفكار الخلاقة في الوطن العربي، والأهم من إنتاج الأفكار هو تطبيقها على أرض الواقع، وهذا حاصل في غزة.
فكرة مسيرات العودة انبعثت من قلب غزة المحاصرة، فالمسيرات علاج لحصار غزة المزمن، ومما ابتلي به شعبنا "الانقسام"، ولا بد له من علاج فعال، وليس كل علاج مفيدا ما دام لم يصنعه خبير ولم يصفه متخصص.
أحد الإخوة الأفاضل اخترع دواء لمرض الانقسام يمكننا أن نطلق عليه اسم "تشويه الذات"، دعا صديقه من الحزب الآخر إلى التصالح من منطلق أن كليهما ضيع الوطن وضيق على الناس، وكانا سببا في استمرار الانقسام والحصار وأشياء أخرى كثيرة.
من أفظع الأشياء أن نبرِّئ الاحتلال من جرائمه في غزة، وهل تستطيع إدارة محاصرة أن تلبي كل رغبات الناس وأن تخرجهم مما هم فيه؟ الذي ضيق على الناس الاحتلال الإسرائيلي وليس حماس، حماس لم تتنازل عن ثلاثة أرباع الوطن، ولم تعترف باتفاقية أوسلو ولم تعترف بشرعية الاحتلال، فكيف يتساوى من تنازل مع من لم يتنازل؟
حماس تخطئ مثلها مثل أي مجموعة بشرية، ولكن ليست كل الأخطاء واحدة، فإن اعترفت حماس بشرعية الاحتلال تكون قد شاركت في ضياع الوطن وهلكت، وإن هي بقيت صامتة على الحصار دون أي محاولة لرفعه تكون قد شاركت في التضييق على الناس في غزة، ولكنها ليست كذلك، فلا داعيَ لأن يخرج من بين صفوفها من يحاول تشويهها وإضعافها أمام الناس، ولا بد من البحث عن أفكار خلاقة وليس إثارة الفوضى "الخلاقة" للخروج من "فخ" الانقسام.