فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

"هند رجب" تحوَّل رحلة استجمام لضابط "إسرائيليّ" إلى مطاردة قانونيَّة بقبرص.. ما القصَّة؟

ترامب وإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمشرق العربي

بخيام مهترئة.. النَّازحون في غزَّة يواجهون بردِّ الشِّتاء والمنخفض الجوِّيِّ

تقارير عبريَّة: هكذا هزمتنا فلسطين إعلاميًّا.. وأبو شمالة يعلِّق: الاعتراف نتاج للواقع الميدانيِّ بغزَّة

دبلوماسيّ سابق لـ "فلسطين أون لاين": استمرار الحرب على غزَّة يساهم في شلِّ قدرة الاحتلال

أوقعتْ 20 قتيلًا.. الداخليَّة بغزّة توضح تفاصيل حملةً ضد عصابات سرقة شاحنات المُساعدات

إنَّهم يألمون.. حزب اللَّه يكشف عن مصير ضبَّاط إسرائيليِّين توغَّلوا في لبنان (فيديو)

"ملحمةُ الطُّوفان".. القسّام تبث مشاهد لمخلفات جنود قتلى وبدلة ملطخة بالدماء في معارك شمال غزّة

تعذيب عبر "فتحة الزنزانة".. شهادات جديدة لأسرى من غزَّة يكشفون كيف تفنَّن الاحتلال في تعذيبهم

ضيف غير مرحَّب به بملاعب أوروبَّا.. هزائم رياضيَّة بأبعاد سياسيَّة لـ (إسرائيل)

​ورحلت أروى

أتذكر أروى الآن، تنساب دموعي بغير إرادة مني، كم أحبك يا أروى وأشتاق إلى رؤيتك!، ولكن الزمن لا يعود إلى الوراء؛ فعلى روحك السلام والرحمة.

كانت صديقة صِبا، نتفق أحيانًا كثيرة ونختلف أخرى، نلعب، ونلهو، ونصنع الدمى من القماش والصوف معًا، ونتخاصم، ونتعارك، ثم نعود لنتفق كما لو أن خلافًا لم يحدث، كانت مقاييس البراءة تحكمنا وتسيِّرنا على هواها.

كبرنا وفرقتنا الأيام بين دروبها، تزوجت أروى ورحلت عن المدينة، وغادرت أنا سعيًا وراء العلم والثقافة والتقدم، عام، اثنان، ثلاثة ... تسعة، التقيتها مصادفة في عيادة صحية كنت أقود فيها فريقًا بحثيًّا، كان برفقتها طفلة صغيرة، ما أجمل سُمرة بشرتها وشعرها الفاحم!، صورة طبق الأصل عن أروى، عرفتها وأنكرتني، ربما بسبب اللباس الخاص الذي كنت أرتديه، لا أعلم تمامًا.

ولكن قلبها سرعان ما أسرَّ لها الحكاية، سارعت إليَّ تعانقني، وكانت دموعها أسرع منها إذ هطلت مدرارة، داعبت صغيرتها، تحدثنا قليلًا، تذاكرنا بعضًا من الأيام الخالية وتمنينا لو تعود سعادتها، أرادت أن تذهب وأردت أن أعود إلى عملي، تبادلنا أرقام الهواتف على وعد بالحديث واللقاء.

جرفتني الأيام بطوفانها الطاغي، أوقاتي تجري بسرعة لا أعي تمامًا كيف تمرّ، شقاء متلاحق، مشاغل أثقل مني، مسؤوليات تكسر ظهري، أنسى حتى نفسي واحتياجاتي، مرَّ عام كامل، وفي ساعة هدوء تذكرت أروى، وتذكرت الوعد الذي قطعته على نفسي بأن ألتقيها ونتحدث طويلًا ونستعيد الأيام والذكريات.

طلبت الرقم، رن الهاتف مرات عديدة، ما من مجيب، أعدت الكرَّة مرة، اثنتين، وفي الثالثة رد صوت ذكوري قائلًا:

- ألو.

- ممكن بعد إذنك أكلم أروى؟، أليس هذا هاتفها؟

- بلى هو هاتف أروى، من يريدها؟

- ... .

- لا أعرف ماذا أقول لك.

- هات من الآخر، ماذا هناك؟

- أروى في المشفى غائبة عن الوعي منذ أيام عدة.

- لماذا؟، ماذا حدث معها؟، كيف هي الآن؟

- قرر الأطباء إجراء عملية قلب مفتوح لأروى بعد أن أخذت تعاني مشاكل صحية، خُدرت أروى مع بدء العملية، وحتى الآن لم تفق.

- لماذا؟، ماذا حدث معها؟، كثير من الناس تُجرى لهم مثل هذه العملية ويفيقون منها دون مشاكل، ويخرجون من المشفى ويكملون حياتهم طبيعية.

- صحيح ما قلت، كثير من الناس، ولكن ليس جميعهم، الأطباء فعلوا ما بوسعهم، ولكن لا ندري إلى ماذا سيؤول حالها، ادعي لها بالشفاء.

عشرة أيام مضت بعدها، أصبحت فيها أروى محور حياتي، أخذت أتصل مرتين أو ثلاث فيها يوميًّا أسأل عن حالها، وهل حدث معها أي تغير يُذكر، كنت في كل مرة أسمع الجواب ذاته بإصرار:

- ما من جديد، ما زالت تغيب في غيبوبتها.

وفي صباح عيد الفطر، الساعة العاشرة وخمس دقائق، رن الهاتف، كان رقمًا غريبًا لا أعرفه، قال بصوت أنثوي تخنقه العبرات:

- أروى أعطتك عمرها، ادعي لها بالرحمة، كانت تحبك، وذكرتك لي قبل العملية.

- ليتها اتصلت بي، وأخبرتني أنها ستذهب لإجراء العملية.

- لم ترد أن تزعجك، كانت تعلم أنك كثيرة المشاغل والمسؤوليات، ولا وقت لديك، لهذا لم تزوريها حتى الآن منذ التقيتها قبل عام.

يا إلهي، أحقًّا ينتهي الإنسان بهذه السرعة، ويرحل تاركًا وراءه كل مشاغل الدنيا ومسؤولياتها؟!، كم غريبة هذه الحياة!

سامحيني يا أروى، ليتني اتصلت بك والتقيتك قبل أني ينتهي كل شيء ويفوت الأوان، رحمة الله على روحك.