تزداد سخونة الوضع الميداني في قطاع غزة، وعلى حدودها، لا سيما في الجمعة الأخيرة، التي شهدت وتيرة أكثر من سابقاتها من أيام الجمع الماضية، بما يذكّر الجانبين بالمسيرات التي شهدتها حدود غزة في مرحلة ما قبل مجزرة 14 مايو/ أيار.
الجديد في الأمر أنه رافق هذه السخونة الميدانية صدور تصريحات إسرائيلية من مستويات سياسية نافذة، تحذر من إمكانية انزلاق الأمور العملياتية إلى خط اللارجعة، لا سيما وأن المواقف السياسية والتهديدات التي صدرت عن رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الحرب ليبرمان، بأن الأمور باتت تقترب من استحقاق المواجهة العسكرية الشاملة، وتوجيه ضربة قاصمة للمقاومة.
بدا نتنياهو هذه المرة، الذي كان بعيدا عن حالة الاستقطاب الداخلي بين وزرائه، أكثر حدة منهم في إصدار تهديداته، حين قال حرفياً أن "حماس لم تفهم الرسالة التي تقول إنهم إذا لم يوقفوا الهجمات والاحتجاجات فسيتم إيقافهم بطريقة أخرى، وسيكون مؤلما، ومؤلما جدا، وإننا قريبون جدا من نوع آخر من التصرف، وسيكون هناك ضربات قوية للغاية، وإذا كان لديهم وعي فسيتوقفون".
فيما أعلن ليبرمان أن "الوقت قد حان لتوجيه أقصى الضربات لحماس في قطاع غزة، مع ضرورة استنفاد كل الخيارات قبل الذهاب لحرب واسعة، لأنه بعد أشهر من المسيرات على حدود غزة، وإطلاق البالونات الحارقة تجاه المستوطنات، فإن إسرائيل استنفدت جميع خياراتها، ووصلت نقطة اللاعودة، وحان الوقت لضرب حكام غزة بأقسى ضربة".
لعل هذه التصريحات تعتبر الأقوى الصادرة عن أقوى رجلين في الحكومة الإسرائيلية منذ فترة طويلة، وهو ما يعني أن حالة المزاودة الداخلية لم تعد تستثني أحدا من رجالات الحكومة، مما يزيد من مخاطر الذهاب إلى مواجهة عسكرية في غزة، بالتزامن مع حراك عسكري بات يميل إلى الخشونة أكثر مع المتظاهرين الفلسطينيين، كما تجلى في يوم الجمعة الأخيرة.
هذا لا يعني أننا بتنا عشية تنفيذ عملية عسكرية واسعة في غزة، وفي الوقت ذاته قد لا تبقى وتيرة الأحداث في ذات المستوى من الفعل ورد الفعل، بل ربما يلجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى المزيد من شد الحبل مع الفلسطينيين، سواء لإرسال رسائل تخويفية أكثر، وربما يكون لوجود قناعات متزايدة في أوساط المستوى السياسي الإسرائيلي أن الأحداث على حدود غزة باتت تزيد من الخناق أكثر على المستوطنين، الذين يوجهون اتهاماتهم يمنة ويسرة نحو الحكومة.
يبقى في المشهد السياسي الإسرائيلي موقف المؤسسة العسكرية ممثلة بالجيش والأجهزة الأمنية التي لا تبدي ذات التشجع للذهاب إلى تلك المواجهة، أو على الأقل رفع وتيرة الرد على المسيرات الحاصلة، خشية من تدحرج الأحداث لمواجهة واسعة، ما زالت غير مرغوبة، حتى كتابة هذه السطور.