منذ مدة طويلة ومنظمة التحرير تحتجّ بعدم تمكين الحكومة لإتمام المصالحة حتى أصبحنا ننام ونحلم بالتمكين، وفجأة اختفى الكلام عن التمكين وحلت محله صفقة القرن، وإن كان التمكين في حد ذاته عصيا على الفهم فإن صفقة القرن أكثر استعصاء، على الأقل في الأول نجد أشياء ملموسة يمكن الحديث عنها ونقاشها، أماالثانية فلا أحد يعلم عنها شيئا، ولكنها أصبحت عقبة أكبر من جبل الكرمل أمام المصالحة، ولكنني أعتقد أن الحديث عن صفقة القرن سيختفي حتى دون أن نشعر.
عندما فازت حماس في التشريعي وتشكلت حكومة برئاسة السيد إسماعيل هنية بدأت المؤامرة تشتد على الشعب الفلسطيني، فقطعت الدول المانحة إمداداتها المالية وقطعت الرواتب، ورغم أن الحكومة حينها تدبرت أمرها ولم تقطع الموظفين كما هو حاصل اليوم ظهر "الحريصون" على مصالح الناس وتباكوا على أحوالهم، وأشهر مقولة ترددت حينها: "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق"، وكذلك مقولة: "عجبت لمن لم يجد قوت يومه كيف لا يخرج شاهرًا سيفه"، أما اليوم فالحريصون أنفسهم يقولون: قضيتنا سياسية وليست إنسانية، ويقول حازم أبو شنب: لا يهم إن استلم الموظفون رواتبهم أو لم يستلموها، لكن المهم القضية السياسية، وهنا نجد أن الحكم غير مبني على مبدأ ثابت، وإنما على متغير يقدم المشروع الوطني حينا، ويقدم الوضع الإنساني حينا آخر، والحقيقة أنه لا تعارض بين تقديم الدعم الإنساني إن كان بلا ثمن مع المشروع الوطني القائم على الثوابت ودون إسقاط أي منها.
اليوم هو يوم عمل، والأصل ألا ينشغل شعبنا بالمناكفات والتهديدات، ولذلك أنصح المقاومة في قطاع غزة أن تركز على فك الحصار عن شعبنا في غزة مع الاستمرار في تأكيد رفضها أيَّ تنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني، وألا تشغل نفسها بالحكم على مدى وطنية الأطراف الأخرى، حتى لو كان هناك من يستهدفها باتهامات ليست فيها، وفي النهاية سيرى الناس عمل كل فصيل واقعا ملموسا، فالكلام والشعارات لم تعد تنفع في التأثير على الشارع الفلسطيني المتخم بالضغوط والمعاناة في حياته اليومية.