في المقال السابق حين تحدثت عن خيارات العدو الإسرائيلي تجاه قطاع غزة قلت: "أما أكثر الخيارات قبولا في الأوساط الأمنية الإسرائيلية فهو تخفيف الضغط عن غزة، وتزويد القطاع بكل ما يلزمه من كهرباء، إلى جانب الاحتياجات الأخرى، حتى يُنجَز اتفاق التهدئة مع حماس والمقاومة في غزة".
قطعا هذا الكلام لا يعني أن يتم ذلك بسهولة ويسر، أو أن تسمح دولة الاحتلال (إسرائيل) بسيطرة حماس على منطقة غير محاصرة. المساعدات التي بدأت بالدخول إلى غزة تحقق أمرين: الأول تخفيف الضغط عن قطاع غزة قدر الإمكان منعا لأي تصعيد في المستقبل القريب، أما الأمر الثاني فهو استخدام بعض الضغط على السلطة الفلسطينية من أجل القبول بالعودة إلى قطاع غزة لإدارته بدلا من السيطرة المنفردة لحركة حماس. طبعا دعونا من مقولة فصل غزة عن الضفة أو ما شابه، فحتى لو أريد لغزة أن تنفصل عن الضفة _كما هو حاصل الآن_ فإن وجود السلطة فيها مسألة مهمة جدا لأطراف خارجية.
تحقيق التهدئة وإبرام اتفاق هدنة مع المقاومة في قطاع غزة أفضل الخيارات المتاحة للعدو، ولكنه سيسعى إلى تحقيق الهدف بحذر شديد، بحيث يضغط على السلطة دون إثارة الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية كما حصل مع الراحل ياسر عرفات، كما أن المطلوب موافقة الرئيس على استلام غزة وليس تصفيته أو تنحيته، ولذلك فإن الضغوط الإسرائيلية ستكون محدودة، وقد تتمثل في المزيد من المساعدات والتسهيلات لغزة وتضييق مالي خفيف على السلطة، وهنا نؤكد أن كل تلك الإجراءات لا تعني القبول بحماس، ولكن لإبعاد شبح الانفجار ولسحب بعض أوراق الضغط التي يمتلكها الرئيس ضد حماس، ومن أجل تسريع عودة السلطة إلى غزة.
مبعوث الرئيس الأمريكي شكر (إسرائيل) وبعض الدول العربية على مسارعتهم في إدخال الوقود لمحطة غزة، وهو يفعل ذلك من منطلق حرصه على سلامة المستوطنين في غلاف غزة وليس حبا في حماس التي يعدها حركة إرهابية وليست ابنة مدللة، لذلك لا تحسبوا ذلك التصرف دليلا على وجود صفقة.
القرن الماضي كانت هناك صفقة بدأت بإسقاط الخلافة واحتلال فلسطين، مرورا بالهرولة العربية تجاه (إسرائيل) في كامب ديفيد وأوسلو والمبادرة العربية للسلام، ثم وصلت إلى خريفها مع انطلاق الربيع العربي - رغم تعثره - ووصلت إلى خريفها مع خروج المحتل الإسرائيلي من جنوب لبنان وغزة، وهذا القرن هو زمن عودة الإسلام وقيام الخلافة، ولا مجال لاستمرار الاحتلال إلى نهاية هذا القرن، أو حتىإلى منتصفه والله أعلم.