لم يكن نبأ إعلان رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، عن استعداد جيشه لعملية عسكرية في غزة، ردًا بحسب ما سماه "التهديدات الأمنية" المتزايدة والواردة من هناك، سوى محاولة جديدة لترهيب الفلسطينيين باستعمال القوة الغاشمة بحسب ما درجت عليه آلة الاحتلال العسكرية.
رئيس وزراء الاحتلال، أبلغ أعضاء حكومته أنّ جيش الاحتلال، يستعد لعملية عسكرية ضد قطاع غزة، "في حال لم تتحسّن الأوضاع هناك". وقالت القناة الثانية، إنّ نتنياهو "أبلغ مجلس الوزراء أنّه إذا لم تتحسّن الأوضاع في قطاع غزة، فإنّ (إسرائيل) تستعد للقيام بعملية عسكرية ضد القطاع". معتبرًا هذا "ليس تصريحًا فارغًا".
لم يطلب أحد من نتنياهو التأكيد على تصريحاته "الفارغة" وتأييدها بالأدلة والوقائع، لكنه يدرك تماما أن صدقية كلامه محل نظر في أعقاب التهديدات بعمل عسكري ضد غزة منذ مطلع العام الجاري. شنّت (إسرائيل)، منذ فرضها الحصار الجائر عام 2006، 3 حروب على غزة، آخرها عام 2014 تسبّبت باستشهاد الآلاف وإحداث دمار هائل. لكن ذلك لم يردعها ولن يردع الفلسطينيين عن المطالبة بحقوقهم مهما طال الزمن.
مسؤول حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، وضع في مقابلته الصحفية مع صحيفة "ريبوبليكا" الإيطالية، التي نشرت على نطاق واسع عالميًا، وفي صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، حكومة الاحتلال أمام خيارين لا ثالث لهما، ويتمثّلان إمّا برفع الحصار عن قطاع غزة مع خطوات تدريجية نحو تهدئة طويلة الأمد مقابل قطاع غزة، وإما تحمّل حقيقة أنّ الانفجار في القطاع بات أمرًا لا يمكن منعه.
(إسرائيل) الرسمية لم تردّ على تصريحات السنوار، إلا أنّ إعلان جيش الاحتلال عن جلسة تقديرات أمنية بمشاركة نتنياهو ورؤساء الأجهزة الأمنية ذات الصلة مثل "الشاباك"، وشعبة استخبارات الجيش "أمان"، ووزير الأمن ليبرمان، التي أعقبها نشر قوات معزّزة على الحدود مع قطاع غزة، ورفع حالة التأهّب لمواجهة كل سيناريو محتمل، تشير إلى أنّ الاحتلال قرأ تصريحات السنوار بجدية كبيرة، مفادها بأنّ مرحلة الاتصالات واتفاقيات التهدئة المؤقتة تكون على أساس بعض التسهيلات لغزة مقابل وقف مطلق لإطلاق النار. وعليه فلم يعد أمام (إسرائيل) سوى أحد الخيارين: إما إطلاق مفاوضات حثيثة باتجاه بلورة معادلة لتهدئة تضمن رفع الحصار، أو على الأقل جوانب كبيرة منه، وإمّا الاستعداد للسيناريو الذي كثر الحديث عنه في العام الحالي، وهو انفجار الوضع في غزة، واتجاه المقاومة في مثل هذه الحالة إلى تصعيد عسكري ضد الاحتلال.
في المقابل، يبدو جيش الاحتلال، وبفعل ضغوط داخلية أيضًا، إلى جانب جزء من حرب الدعاية والعبر التي استخلصها من العدوان الأخير على القطاع، مستعدًا لحملة وعدوان عسكري جديدين. ويظهر ذلك من خلال تكرار تصريحات قادته، ولا سيما رئيس الأركان، الجنرال غادي أيزنكوت، بأنّ الجيش يتمتّع بمستوى جهوزية عالية يمكّنه من تنفيذ كلّ ما يطلبه منه المستوى السياسي. وهي تصريحات تعكس التغيير في موقف الجيش والمؤسسة الأمنية التي شكّلت بداية الربيع "كابح" لنزوات أو مغامرات عسكرية محتملة كان نتنياهو يفكّر بالقيام بها.
نتنياهو الذي تردّد مرتين على الأقل منذ مطلع العام في التوجّه إلى انتخابات مبكرة، رغم النتائج المرضية لحزبه في استطلاعات الرأي يجد نفسه مضطرًا للتعامل مع الموقف بحسم نهائي. فنتنياهو، الذي يقدّم نفسه أمام الناخب الإسرائيلي على أنه رجل الأمن القوي في وجه الإرهاب، لا يستطيع الاتجاه نحو اتفاق سياسي وتهدئة طويلة الأمد مع "حماس" وباقي الأطراف في مثل هذه الحالة، بما فيها السلطة الفلسطينية ومصر، من دون أن يكون عنده ما يبرر هذا التحوّل خصوصًا أنّه لا يمكنه بعد الآن التذرّع بأنّ الجيش والمؤسسة العسكرية غير جاهزين لمواجهة عسكرية جديدة.
قد يجد نتنياهو نفسه مضطرًا إلى دراسة خيار الانتخابات المبكرة بجدية كبيرة هذه المرة بدءًا من الأسبوع المقبل، مع بدء الدورة الشتوية للكنيست وعودة الحياة البرلمانية. وعودة أحزاب الحريديم للتهديد بالانسحاب من الحكومة، في حال لم يتم تعديل القانون الخاص بتجنيد الحريديم في الجيش، أو فرض غرامات وعقوبات جنائية ضدهم."
هذه العوامل تجعل عمليًّا من الأسبوع الجاري أسبوعًا مصيريًّا لمعرفة وجهة الاحتلال في ملف قطاع غزة أيضًا. وفي حال قرّر نتنياهو الاتجاه نحو انتخابات مبكرة، فإنّ ذلك قد يقلّل من احتمالات شنّ عدوان جديد على القطاع، حتى لا تجرى الانتخابات مباشرة بعد معركة طويلة يحذّر الجيش الإسرائيلي من أنها لن تكون كسابقاتها، فضلًا عن مشاهد الفرار أو إخلاء عشرات آلاف الإسرائيليين من مستوطناتهم.
إعلان نتنياهو قرارًا بالاتجاه نحو انتخابات مبكرة سيعني إبعاد شبح العدوان العسكري عن غزة. أمّا إذا خلا خطابه وبيانه السياسي من أي إشارة للانتخابات، وبرز تفضيله انتظار الموعد الرسمي لها في نوفمبر/ تشرين الثاني، وانتظار فكّ "الحريديم" الشراكة معه وإسقاط الحكومة، فإنّ ذلك قد يكون مؤشرًا خطيرًا ينذر بعدوان عسكري جديد، فهل يقدم نتنياهو على القفز من حافة الهاوية أخيرًا؟