انتهت الولاية الثانية للرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما، وغادر ذو الأصول الإفريقية، وكما تسلم إرثًا كبيرًا من سلفه جورج دبليو بوش سلّم للرئيس دونالد ترامب إرثًا كبيرًا على مستوى السياسة الداخلية والخارجية، وبتقويم مرحلة أوباما قد نستطيع استشراف أهم ملامح حكم ترامب.
في عهده أنجز أوباما قانون إصلاح نظام الرعاية الصحية ما يعرف بأوباما كير، هذا القانون الذي يستفيد منه ما يقارب 25 مليون أمريكي أثار استياء الجمهوريين في حينه، ولكنهم لم يكونوا يمتلكون الأغلبية، أما الآن فهذا الملف على أجندة ترامب، ويبقى التحدي على المستوى الداخلي مرتبطًا بقدرة ترامب على الانقلاب على القانون دون التأثير على الشرائح الفقيرة، وهذا أحد التحديات في إطار السياسة الداخلية يضاف إليه مسألة الهجرة، والعنصرية، وغيرهما من المشاكل التي تواجه المجتمع الأمريكي.
سياسة أوباما الخارجية:
تقويم مرحلة أوباما مرتبط بمعرفة مرتكزات سياسته الخارجية قبل تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة، ولعل أهم تلك المرتكزات كان العمل على ترسيخ الأمن والاستقرار الدوليين والإقليميين، وأيضًا الأمن النووي والمناخي، فعلى صعيد الأمن النووي حقق أوباما إنجازًا في اتفاق لوزان النووي مع إيران حيث قوّض فرص امتلاك إيران لقنبلة نووية.
أما على صعيد الأمن والاستقرار الدوليين والإقليميين فكانت أهم معالمها على النحو التالي:
- انسحب من العراق فجاء تنظيم الدولة "داعش".
- خفف من قواته في أفغانستان فجاءت الفوضى والفلتان.
- سحب بعض قواته من أوروبا، فحصل ما حصل بجورجيا من تدخل روسي عسكري نتج عنه استقلال كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وبصورة مشابهة حصل ذلك في أوكرانيا وسيطر الروس على شبه جزيرة القرم.
- عمل أوباما ضمن إستراتيجية الأمن القومي على الانتقال من الشرق الأوسط بعد اكتشاف النفط الصخري نحو آسيا، فانتقلت الفلبين من محور أمريكا إلى المحور الروسي، ولم تعد تثق كوريا الجنوبية واليابان وغيرهما من الدول بالإدارة الأمريكية، وهذه الثقة فقدت أيضًا بعد قانون (جاستا) المتعلق بالسعودية أحد أهم حلفاء الإدارة الأمريكية.
- فشل أوباما في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فلم تفلح جهود جون كيري المتكررة لذلك، وضرب الكيان العبري عرض الحائط يتلك الجهود.
- كان أوباما مترددًا ومرتجفًا في الملف السوري، فلم يتدخل عسكريًّا، مع حديثه المتكرر، بعد استخدام النظام السوري أسلحته الكيميائية ضد المدنيين.
- يسجل لأوباما أنه لم يدخل حربًا شاملة خلال ولايتيه.
إن ما سبق بعض من إخفاقات وإنجازات أوباما على صعيد السياسة الخارجية، وهذا الإرث سيحمله ترامب، فكيف سيكون المشهد في زمن رجل الصفقات؟، سأركز هنا على محور العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وانعكاسها على القضية الفلسطينية، حيث أكد ترامب أمام (إيباك) مسألتين:
1. نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ووصفها بـ"العاصمة الموحدة للدولة اليهودية"، وهو ما أكده لاحقًا نائب الرئيس مايك بينس في رسالته إلى الكيان العبري، وما أكدته أيضًا كيليان كونواي مستشارة ترامب بالقول: "إن نقل السفارة الأمريكية من (تل أبيب) إلى القدس سيكون على رأس سلم أولويات ترامب".
2. الحرب على "الإرهاب"، وحدد رؤيته لـ"الإرهاب" الفلسطيني بأنه يتمثل في كل شيء معادٍ للكيان العبري بدءًا من المناهج الدراسية وصولًا إلى مكافأة "الإرهابيين" وتعزيز مواقعهم في الساحة الفلسطينية، وليس انتهاءً بالخطاب التحريضي الذي يتبناه بعض ويعادي الكيان ويحرض على قتل الإسرائيليين.
مما سبق نستطيع أن نستشرف زمن ترامب فلسطينيًّا فيما يلي:
1. تدهور عملية التسوية، وزيادة وتيرة الاستيطان وتهويد القدس.
2. نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، سواء أكان نقل سفير أم كان اختيار غربي القدس مقرًّا للسفارة.
3. ضوء أخضر للكيان العبري لشن حرب شرسة على الفلسطينيين _وتحديدًا في قطاع غزة_ متى شاء، مع تشديد الحصار.
4. انفجار الأوضاع بوجه الاحتلال، ما قد يؤثر على مستقبل وديمومة السلطة الفلسطينية وفرص استمراريتها.