تتواتر المواقف الإسرائيلية حول الوضع المتوتر في قطاع غزة، والأزمة الإنسانية المتفاقمة فيه، والخشية المتراكمة من انفجار الموقف فيه، ما يجعل دوائر صنع القرار في تل أبيب منشغلة في كيفية الحيلولة دون حصول ذلك، نظرًا لأن تبعاته لن تقتصر على غزة وحدودها فحسب، وإنما سيتطاير شررها إلى ما هو خارج الحدود، باتجاه إسرائيل.
آخر هذه المواقف ما تناقلته وسائل الإعلام في الساعات الأخيرة عن موافقة إسرائيلية على مشروع قطري بدفع ثمن الوقود الخاص بحل أزمة الكهرباء في غزة، في حين تقوم إسرائيل بضخ الوقود اللازم للمحطة، رغم تهديد السلطة الفلسطينية لشركات النقل وموظفي شركة الكهرباء بالمحاسبة، إذا استقبلوا الوقود، وشغلوا المحطة.
إلى أن تتبين حقيقة الموقف، فإننا قد نكون أمام تطور سياسي من العيار الثقيل، وإن كان بلبوس إنساني بحت، يتعلق بحل أزمة الكهرباء المزمنة في القطاع، مفاده أن إسرائيل قد تقدم على ما أحجمت عنه طيلة الفترة الماضية في عدم تجاوزها للسلطة الفلسطينية في حل مشكلات غزة المتفاقمة.
يطرح هذا التطور جملة أسئلة مشروعة: هل وافقت إسرائيل فعلًا على التعامل مباشرة مع الجهات الإقليمية والدولية لحل مشكلات القطاع الإنسانية بمعزل عن موافقة السلطة الفلسطينية أو عدمها، ولماذا توافق الآن بالذات على ما كانت ترفضه سابقًا، وكيف سيتم حل باقي المشكلات الإنسانية لغزة في حال رفضت السلطة الفلسطينية التعاون مع إسرائيل من أجل ذلك، وما هي البدائل المتاحة أمام إسرائيل مستقبلًا في حال تجاوزت السلطة الفلسطينية بسبب غزة، بحيث تبدو ليست ذات صلة بها.
صحيح أن إسرائيل تسعى دائمًا لتخليد الانقسام الفلسطيني الحاصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتبذل كل جهود لإبقائهما تحت إدارتين منفصلتين لتسويق مزاعمها بأن الفلسطينيين لا يستحقون دولة، وأن هذه الدولة ليست محددة الحدود الجغرافية، لكن ذلك شيء، والتأكيد الإسرائيلي في بعض الحلول المتاحة على إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة شيء آخر.
من المبكر الحديث عن تخلي إسرائيل عن خيار عودة السلطة إلى القطاع، حتى لو بدا أنه يتباعد مع مرور الوقت، في زحمة الخيارات والبدائل الإسرائيلية المطروحة لحل مشكلات القطاع، لأن ذلك يعني ترسيخ إقامة الكيان المنفصل في عزة، الأمر الذي بحاجة لتوافقات فلسطينية في غزة، وإسرائيلية، وإقليمية مع مصر تحديدًا، فضلًا عن الأطراف الدولية، خاصة الولايات المتحدة.
في ضوء المواقف السائدة حتى كتابة هذه السطور يبدو أننا أمام تطور ميداني إجرائي ليس أكثر، يتعلق بحل مشكلة إنسانية في غزة من باب تفكيك المشكلات خشية الانفجار القادم، بعيدًا عن خطوات لها دلالات إستراتيجية بعيدة المدى مرتبطة بوضعية الأراضي الفلسطينية عموما، وقطاع غزة خصوصا.