ذكر الباحث الفلسطيني جورج كرزم أن عدد الذين تركوا (إسرائيل) خلال العقود الأخيرة، بمن فيهم يهود الاتحاد السوفياتي السابق، يبلغ مليونًا ونصف المليون، مؤكدًا أن المؤثر الرئيس هو العامل الأمني، حيث ازدادت أعداد المهاجرين بعد الانتفاضة الأولى، وفي أواخر التسعينات خلال العمليات الاستشهادية في الانتفاضة الثانية، وخلال حرب لبنان 2006 مرورًا بالصواريخ شمالًا وجنوبًا.
وقال كرزم وهو صاحب كتاب "الهجرة اليهودية المعاكسة ومستقبل الوجود الكولونيالي في فلسطين"، إن الهجرة اليهودية المعاكسة لطالما أشغلت بال الأوساط الحكومية والأمنية الإسرائيلية، لما تشكله من إشكالية وجودية نظرًا لصغر حجم السكان اليهود في الكيان الإسرائيلي نسبيًا.
ويرى كرزم في كتابه الذي صدرت نسخته المطبوعة مؤخرًا عن "دار الرعاة" و"دار الجسور" في عمان، أنَّ عوامل الطرد الديمغرافي من دولة الاحتلال تعاظمت، فأصبحت أعلى من عوامل الجذب إليها، وأن الدوافع الأمنية عامة، وتحديدًا الهواجس الأمنية للعديد من اليهود الإسرائيليين، وانعدام الشعور بأمنهم الشخصي في عمق جبهتهم الداخلية، تشكل القوة الدافعة للهجرات اليهودية المعاكسة، أكثر من العوامل الاقتصادية المتمثلة في الضائقة المعيشية والوضع الاقتصادي.
وتعالج الدراسة التراجع الكبير في "الهجرة" اليهودية إلى فلسطين، وتواصل الهجرة المعاكسة، التي تتوقع تفاقمها أكثر فأكثر مع تدهور الأوضاع الأمنية والعسكرية، وتصاعد المقاومة ضد الاحتلال، إضافة إلى التكاثر الطبيعي الكبير في أوساط الفلسطينيين الذي سيؤدي إلى هبوط كبير متواصل في نسبة اليهود في فلسطين التاريخية.
ويناقش الكاتب ظاهرة حيازة أعداد كبيرة من الإسرائيليين اليهود جوازات سفر أجنبية، والاندفاع المتزايد لآخرين كثيرين لحيازة جوازات سفر أجنبية إضافية، بالتوازي مع التطمينات الأميركية للإسرائيليين بأن الحكومة الأميركية ستستصدر، عند الضرورة، جوازات أميركية للإسرائيليين اليهود الراغبين في ذلك، كما يقول.
ووضع الكاتب يده على نقطة الضعف المركزية في المجتمع الإسرائيلي، كما يعتقد، والمتمثلة في العنصر البشري الذي يعد بالمنظور الإسرائيلي عنصرا أمنيا من الدرجة الأولى، وبخاصة أن "الدولة اليهودية"، كدولة "هجرة" واستيطان كولونيالي، لم يكتمل بناؤها بعد من الناحيتين الديمغرافية والجيوسياسية، وهي تخطط استراتيجيا لاستجلاب المزيد من مئات آلاف اليهود.
ويخلص كرزم إلى نتيجة مفادها أنه إذا استمر ارتفاع معدلات "الهجرة" المعاكسة، مع ازدياد عملية الاستنزاف البشري والاقتصادي في المجتمع الإسرائيلي وامتداده لفترة طويلة، كما يقول، فسيؤدي ذلك إلى تفاقم عوامل الانهيار الداخلي لبنية دولة (إسرائيل).
ويوضح كرزم في حوار مع موقع "عرب 48"، أن الهجرة الاستعمارية إلى فلسطين تعدّ إحدى أهم ركائز الحركة الصهيونية الثلاث الأساسية، المتمثلة أولا، بالهجرة الاستعمارية واستقطاب أكبر عدد ممكن من الصهاينة من مختلف أنحاء العالم وتوطينهم في فلسطين؛ وثانيا بالأرض؛ وثالثا بالدولة.
وتشكل تلك الركائز الأساس المادي للصهيونية الذي من شأنه أن يسقط بتداعي إحدى ركائزه، كما ويرتبط الصراع مع الصهيونية ارتباطا عضويا بكل واحدة من تلك الركائز، وفق قوله.
ولفت النظر إلى أن (إسرائيل) تعدّ الهجرة المعاكسة بمنزلة سِرٍّ من الأسرار الأمنية، ولا تسمح بنشر معطيات وأرقام دقيقة ومفصلة حول هذا الموضوع، ولذلك يواجه الباحث في هذا المجال صعوبة كبيرة بسبب شح المعلومات والنقض الواضح في الأدبيات الإسرائيلية من جهة، وفي الأعمال التحليلية العربية بهذا الخصوص من جهة ثانية.

