فلسطين أون لاين

​أختلف معك سياسيًّا لكنك تبقى صديقي

...
صورة أرشيفية
غزة/ هدى الدلو:

تقع مشادات كلامية كثيرة بين الأصدقاء بسبب نقاشات سياسية، التي لن تغير من اللعبة القذرة شيئًا ولن يكون هناك اهتمام لآرائهم، فالقرارات ليست بأيديهم، فالأديب الفرنسي بول فاليري يقول: "الحرب مجزرة بين أناس لا يعرف بعضهم بعضًا من أجل أناس يعرف بعضهم بعضًا".

ومن هنا يجب على الأصدقاء أن تكون المحافظة على العلاقة التي بينهم أهم من أي شيء آخر، ولكن كيف يمكن أن نحافظ على علاقة الصداقة رغم الاختلاف السياسي؟، هذا ما نتحدث عنه في السياق الآتي:

الاختصاصي النفسي زهير ملاخة قال: "المحافظة على الصداقة تتم بالوقوف عند أخلاقيات العلاقة مع الغير، فاحترام الإنسان والوقوف عند واجباته تجاه الآخرين أمر فرضي مع أي إنسان كان، فلا تنقص من حقه وتحترم إنسانيتك في سلوكك وكل ما يصدر عنك من لفظ أو إشارة أو عمل، فكيف إذا كان صديق؟".

وأوضح أن أي اختلاف لا يفسد ودّ الصداقة، لذلك لا بد من تربية النفس وتشكيل العقائد والأيدولوجيات على منظومة من القيم والخلق الحسن، ومنها تقبل الآخر، وفهم حدود العلاقات، وحسن الاستماع والإنصات الجيد، وامتلاك مهارات شخصية، كمهارة حسن التفاوض للالتقاء مع الآخرين إيجابيًّا.

وأشار ملاخة إلى أنه لا بد أن نفهم جيدًا أن تباين الآراء واجتهادات الآخرين واختلاف الناس أمر فطري وطبيعي، وأن احترام وجهات النظر وعقول الآخرين جزء من صحة المسار، والرقي وما يحمل من أدبيات ومعتقدات وأيدولوجيات أيًا كانت.

ولفت إلى أنه بهذه العقلية يمتلك الشخص مهارة الفصل في الشخصية بين العلاقة القائمة مع الأصدقاء والأقارب، وبين وجهات نظرهم لنصل إلى مستوى من التفكير، "فنحن نلتقي ولا نختلف، نحترم ولا نقسو على بعض، نعمل للبحث عن نقطة التقاء لا اختلاف، نرى أن ما يجمعنا أكثر بكثير مما نتباين عليه".

وتابع الاختصاصي النفسي حديثه: "بهذا الفهم والوعي نحافظ على علاقتنا مع الآخرين بالشكل الذي يحفظ إنسانيتنا ورقي تفكيرنا والتزامنا بأخلاق الدين وأدبيات الاختلاف وحسن الانتقاد، وأيضًا مهارة المعاملة والاستيعاب والعلاقات الاجتماعية مع أفراد متعددة الآراء ووجهات النظر، وبالتالي إذا كنا كذلك لا يمكن أن نجعل أي تباين أو اختلاف سياسي سببًا في إفساد علاقة الصداقة".

وبين أن أي تربية عقلية قائمة على نبذ الآخر والتعصب للرأي وتعويض الضعف بتقمص زي ولباس العصبية والإقصاء والتفرد، واستخدام أساليب حوارية وغير حوارية تنافى الأدب والخلق الإنساني ستكون كفيلة بإنهاء علاقة الصداقة بين شخصين، لأن الاختلاف وسوء الحوار سيجعل للكراهية والحقد المحل الأكبر.

وأضاف: "نحتاج في علاقتنا الشخصية والاجتماعية بناء عقلي قائم على حسن الفهم للأمور والبحث عن الصورة الأجمل لأنفسنا، وكيف يكون شكلها ومعرفة حقيقة الإنسان في هذه الدنيا، والإدراك بأن رأس المال الحقيقي للشخص بحسن خلقه وحسن معاملته، لأن في ذلك ترك الأثر الطيب وحسن العلاقة مع الآخرين ولنا في رسول الله أسوة حسنة في حفظ حق جاره، حتى وإن لم يكن مسلمًا، وحفظ حق أهله وذويه وإن لم يكونوا على دينه، وحسن معاملة المسلم لغير المسلم".

وختم الاختصاصي النفسي حديثه بأن كل الموروثات السيئة التي أوجدها بعض الأفراد في نشر الكراهية أو الاقصاء لأسباب ودوافع دونية أو سيئة أو عن جهل يجب تقويضها بالعلم وحسن الدعوة والتوجيه ونشر ثقافة الوحدة والمحبة والالتقاء، وأن قوة ومتانة المجتمع بتباين الآراء الناضجة، وبهذا نحفظ قوة العلاقات ومحبته، ونحفظ جمال الصداقة دون تعكير أو إفساد لها بالتعصب والحزبية المقيتة.