لم تتوقف الشهادات الحية اللافتة لاستمرار أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة، في سياسة تعذيب الموقوفين والمعتقلين لديها على خلفية سياسية أو جنائية، ودون وجود رد فعل ملزم من الجهات والمؤسسات الحقوقية لوقف هذه السياسة التي يصنفها القانون الفلسطيني تحت بند "الجريمة".
آخر ما كُشِف في مؤتمر صحفي، تعرض سبعة من الأسرى المحررين التابعين لحركة الجهاد الإسلامي في الضفة للشبح والضرب والشتم والتهديد بالسلاح، والمنع من أداء الصلاة، في سجون أجهزة أمن السلطة.
ويقول النائب عن كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية في مدينة بيت لحم، بالمجلس التشريعي، أنور الزبون، إن شهادات الموقوفين والمعتقلين في سجون السلطة ما زالت متواصلة، مضيفًا أن هذه السياسة الخطيرة، "مسكوت عنها" من الجميع.
وأشار الزبون لصحيفة "فلسطين"، إلى أن المؤسسات الحقوقية في هذا الشأن تضع في دواليب عملها "فرامل" حينما يكون مصدر الانتهاك أجهزة أمن السلطة أو حركة فتح، فيما تفتح الباب على غاربه حينما يرتبط الأمر بموضوع المرأة أو أي من الانتهاكات إذا حصلت في غزة، حسب تقديره.
وتابع: "لم نسمع أي مؤسسة حقوقية تندد بالاعتقالات السياسية التي تحدث في الضفة الغربية بشكل رسمي، أو ما يتعرض له المعتقلون من ضرب وإهانة أمام زوجاتهم وذويهم وأطفالهم"، مؤكدًا أن "الأصل أن يكون لها موقف وكلمة قوية لا سيما وأن ذلك يندرج في صلب عملها ومهنتها".
وأوضح الزبون أن استمرار المؤسسات الحقوقية دون موقف حازم بما يخص التعذيب والاعتقالات السياسية "يضع مصداقيتها على المحك"، مشيرًا إلى أن هذه السياسة لم تتوقف منذ عام 2007 وحتى اليوم.
ويلفت إلى أن موقف المؤسسات الحقوقية المحلية غير المجدي تجاه ملف التعذيب للمعتقلين السياسيين، دفعه وبعض الشخصيات وبما تلزمه المسؤولية الملقاة على عاتقهم للتوجه لباب الصليب الأحمر، غير أن الأخير هو الآخر أبدى موقفًا سلبيًّا وتذرعًا بعدم قانونية تدخله في هذا الملف لدى السلطة.
ويشير القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد العويوي من مدينة رام الله، إلى أن ما يصاحب الاعتقالات السياسية من تعذيب بات سمتًا، وذلك بما تحمله الشهادات الحية للمعتقلين في سجون السلطة.
ويرى العويوي لـ"فلسطين"، أن هذه السياسة لا تخرج عن تقديم السلطة الفلسطينية تنازلات من أجل "تبييض صفحتها"، وضمان تلقيها الدعم الأمريكي والأوروبي، مشيرًا إلى أن سياسة التنسيق الأمني هي الركن الأساسي التي تنطلق منه السلطة في أعمالها وممارساتها.
ويلفت إلى أن المعتقلين سياسيًّا لديهم من الشهادات التي تؤكد تعرضهم لأبشع صور التعذيب، دون حسيب أو رقيب، مشددًا على أن التعذيب يترك بصمة سلبية كبيرة لدى المعتقل، وذويه، وانعزالًا عن دعم القضايا الوطنية.
ويذكر أن النشاطات والفعاليات الوطنية التي تتطلب وقفة من أبناء الوطن في الضفة الغربية المحتلة، كما الحال في تجمع الخان الأحمر شرقي القدس، تجدها خالية من الوجوه الشابّة أو تلك التي تعرضت لحالات الاعتقال والتعذيب في سجون السلطة.
ويشدد العويوي أن متابعة المؤسسات الحقوقية لهذا الملف المتمثل في تسجيل الحدث وتوثيقه، ودون أن يكون لها دور في وقفه ومحاسبة مقترفيه أمام المحاكم، شجّع السلطة على الاستمرار في سياستها.
وحول الدور المنوط بالمؤسسات والهيئات الحقوقية، يقول المسؤول في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" محمد كمنجي، إنّ عمل مؤسسته وكل المؤسسات الحقوقية لا يتعدى قاعدة توثيق الانتهاكات والاعتداءات الحاصلة بحق الموقوفين والمعتقلين لدى أجهزة أمن السلطة.
ويضيف كمنجي لـ"فلسطين" أن مؤسسة الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان تنفذ زيارات دورية لمراكز التوقيف، وتوثق وتراقب أي انتهاكات بحق حقوق الإنسان الخاصة بالموقفين، والتي من ضمنها الحق في سلامة الجسد بعيدًا عن التعذيب.
ويكمل أن "الهيئة دورها رقابي، ولا تمتلك أي دور تنفيذي لوقف أي انتهاك حاصل، فيما تتلقى شكاوى من مواطنين، سواء في أمر التعذيب أو غيره، وتعمل على متابعتها ضمن آليات معروفه"، مشيرًا إلى أن وقف أي انتهاكات للتعذيب مرتبط بالهيئة التنفيذية للسلطة ذاتها.
ويؤكد خلو طرف الهيئة وغيرها من المؤسسات الحقوقية من أي ورقة ضاغطة على السلطة، غير أنها تصدر تقارير شهرية وسنوية تسلم لمؤسسة رئاسة السلطة والمجلس التشريعي ومجلس الوزراء، توثق فيه شكاوى التعذيب وغيرها من الانتهاكات التي تم توثيقها.
ويؤكد كمنجي أن القانون الأساسي الفلسطيني ينص وضمن المادة (13) منه على حظر تعريض أي مواطن للتعذيب والإكراه سواء كان جسديًّا أو معنويًّا، فيما تحظر الاتفاقات الدولية التي انضمت لها دولة فلسطين عام 2014 ذلك.

