فلسطين أون لاين

​طالبوا بمقارنة الفروق في الحسابات الختامية

الخصخصةومنع التهرب الضريبي..حلول لزيادة الإيرادات

...
مطالبات بتحسين قيمة الإيرادات للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني
غزة - رامي رمانة

قدم خُبراء في الاقتصاد ثمة مقترحات عملية تساهم في زيادة الإيرادات وتخفض النفقات السنوية العامة للسلطة الفلسطينية، أبرزها تحديد سقف أعلى للرواتب، تطبيق التقاعد المبكر، تعديل قانون الخدمة العسكرية، الخصخصة والتأميم، توسيع الوعاء الضريبي عبر اتباع نظام الشرائح في ضريبة الدخل وإعادة تفعيل ضريبة الأموال والثروات، تقليل الاعتماد على القروض الداخلية والخارجية، والاستفادة من الحسابات الختامية للسنوات السابقة ومقارنتها للوقوف على حقيقة الفروق.

وتواصل حكومة الحمد الله منذ نهاية العام الماضي، مناقشة مشروع موازنتها للعام الجاري 2017، التي بدأت ملامحها النهائية تتضح، قبل إقرارها من جانب مجلس الوزراء، ثم المصادقة عليها من طرف رئيس السلطة محمود عباس، مع استمرار تغييب المجلس التشريعي عن أداء مهامه منذ عقد.

وتبلغ الموازنة العامة المقترحة 4.1 مليارات دولار أمريكي، مقابل نحو 350 مليون دولار للموازنة التطويرية إضافة إلى مبلغ 300 مليون دولار خصصتها حكومة الحمد الله لسداد متأخرات مستحقة عليها لصالح القطاع الخاص.

وزير المالية شكري بشارة، قال في تصرح له: "إن تنفيذ موازنة العام الجاري 2017، يبدو صعبًا بالنظر إلى المعطيات الخارجية والتغيرات السياسية ذات الارتباط بفلسطين وقضيتها"، مشيرًا إلى أن الحكومة ليس بمقدورها أن تنفق على الاستثمار وتنمية مشاريع بنية تحتية لأن كلفة الرواتب العالية تؤخر التطور الاقتصادي.

فاتورة الرواتب

المختص في الشأن الاقتصادي أمين أبو عيشة, نوه إلى أن السلطة تُنفق من مليار ونصف المليار دولار إلى 2 مليار دولار سنويًا على فاتورة الرواتب والأجور في حين أن 5% فقط من الوظائف الحكومية تستحوذ على 51% من منظومة الرواتب, ما ساهم في حدوث الترهل الوظيفي داخل المؤسسات الحكومية الذي بات يشكل معضلة في الموازنة السنوية.

وعزا أبو عيشة في حديثه لـ"صحيفة فلسطين" الترهل الحكومي إلى مجموعة أسباب: خلل في البناء الهيكلي للمنظومة الاقتصادية، عدم مشاركة القطاع الخاص، ضعف المشاريع صغيرة الحجم، الاعتماد على التشغيل المباشر وخصوصًا لطالبي العمل لأول مرة، عدم الاستغلال الأمثل للموارد المالية للسلطة.

ولمعالجة الترهل دعا إلى تعديل قانون الخدمة العسكرية بما يتلاءم مع المهام المسندة والإضافات للقيمة المضافة للاقتصاد، تطبيق التقاعد المبكر، تحديد سقف أعلى للرواتب.

في سياق متصل يقترح أبو عيشة على السلطة توسيع الوعاء الضريبي لزيادة حجم الإيرادات على أن تطال تلك الإجراءات المقتدرين والمتهربين من دفع الضرائب.

وقال: "إذا اعتمدت السلطة على نظام الشرائح في فرض ضريبة الدخل على معدلات الرواتب قد تضيف إلى خزينتها 200 مليون دولار سنويًا"، مشيرًا إلى أن المعمول به في هذا النوع من الضرائب هو استقطاع نسبة واحدة 5% من رواتب كافة الموظفين سواء الذي يتقاضى 2000 شيكل أو الذي يتقاضي 8000 شيكل".

كما يقترح المختص تفعيل ضريبة أموال وثروات المسؤولين والتجار غير المستثمرة وأن ذلك يتم بالتعاون مع المؤسسات المصرفية والحكومية والقطاع الخاص للكشف عن الأرصدة والحسابات البنكية.

وأشار إلى أن الضرائب المتنوعة التي تفرضها السلطة في الوقت الراهن تصُب سنويًا نحو مليار دولار في خزينتها.

ويشدد على ضرورة ملاحقة المتهربين من دفع الضرائب لانعكاساتها السلبية على موازنة السلطة.

ويبين أن حجم التهرب الضريبي تجاوز 350 مليون دولار خلال العامين 2014-2015 وسببه تقديم تجار فواتير غير حقيقية بالمبالغ المستوردة من الخارج ورفض تجار آخرين دفع ما عليهم من مستحقات ضريبية سابقة.

كما يدعو إلى ضبط التسرب الضريبي في المعاملات المالية التي تتم بين السلطة الفلسطينية والاحتلال قائلًا: "إن الكثير من الفواتير لا يتم احتسابها نتيجة عدم اجتماع اللجنة الاقتصادية المنبثقة عن اتفاقية باريس الاقتصادية بشكل دوري".

ومن الحلول التي يقدمها أبو عيشة لزيادة حجم الإيرادات الحكومية الخصخصة والتأميم.

وقال في هذا الصدد: "إن خصخصة السلطة مؤسسات حكومية تُدر إيرادات مالية من شأنها أن تحفظ الخزينة من الهدر المالي، كأن يتم خصخصة البلديات، الهيئة العامة للبترول، بعض الجامعات والكليات، في المقابل أن يكون هناك تأميم على شركات مثل الاتصالات الأرضية والخلوية حيث إنها مورد مالي مهم للحكومة ينبغي الانتباه إليه".

والخصخصة عكس التأميم، وعلى هذا فالتخصيص هو: تحويل المرافق العامة التي كانت تتحكم فيها الدولة إلى مرافق خاصة، تتحكم فيها مؤسسات اقتصادية لا تتبع للدولة، وقد يكون هذا التخصيص كليًا أو جزئيًا، فالكلي منها هو تسليم المرافق برمتها للمؤسسات الخاصة على ألا تملك الدّولة شيئًا منها، والجزئي تكون الدولة متحكمة، بينما المشغل شركات، ومؤسسات خاصة، وفق استراتيجياتها هي.

ودعا أبو عيشة السلطة إلى عدم التعويل على المساعدات والمنح الخارجية التي تتناقص عام عن الآخر بسبب المتغيرات السياسيات المحيطة والدولية، مبينًا أنها وصلت في الآونة الأخيرة إلى 600 مليون دولار سنويًا، ولم تعد تساهم في التنمية الاقتصادية.

الموازنة العامة

بدوره أوصى المختص في الشأن الاقتصادي د.معين رجب, السلطة بإعداد الموازنة العامة السنوية قبل بدء العام المالي الجديد بستة أشهر، وإشراك الدوائر المالية في الوزارات الحكومية، والاستفادة من الحسابات الختامية السابقة للسنوات.

وقال رجب لـ"صحيفة فلسطين: "إن هناك تأخيرًا لا مبرر له في التحضير للموازنة السنوية 2017 وإن كانت السلطة أعطت لنفسها فترة زمنية استثنائية تمتد حتى نهاية مارس من كل عام، فالإعداد قبل بدء العام المالي الجديد بستة أشهر ينظم العمل".

وأضاف "أن مشاركة الدوائر المالية في كل الوزارات في إعداد الموازنة الخاصة مهم ومؤسس لعمل الموازنة العامة، كما ينبغي الاستفادة من الحسابات الختامية للسنوات السابقة المشتملة على الإيرادات التقديرية والفعلية والنفقات التقديرية والفعلية ومقارنتها للوقوف على حقيقة الفروق".

وأشار إلى أهمية الاسترشاد بالمنشور الدوري الذي يعده وزير المالية بخصوص إعداد الموازنة الجديدة، فهو فرصة للقراءة والالتزام بها ودراستها".

ويتفق المختص مع سابقة بجدوى تفعيل الإيرادات العامة بصورها المختلفة وترشيد النفقات العامة في ظل استمرار العجز في الموازنة السنوية عبر الأعوام الماضية.

ويؤكد أهمية الاعتماد على الذات وعدم التعويل على التمويل الخارجي غير المؤكد، وتخفيض القروض المحلية والخارجية، ومواجهة الفساد.

وشدد رجب تأكيده على دور المجلس التشريعي في المراحل المختلفة المتعلقة بإعداد وتنفيذ ومتابعة ومراقبة الموازنة العامة، ومشاركة الأطراف المعنية.

ووفق أرقام صدرت عن وزارة المالية برام الله، تراجعت المنح المالية للخزينة العامة إلى 614 مليون دولار أمريكي في 2016، بينما بلغت في 2008 على سبيل المثال 1.7 مليار دولار، ومتوسط 1.1 مليار دولار في السنوات الأخيرة.

ويبلغ العجز المالي للموازنة الفلسطينية للعام الحالي بعد التمويل (المنح) المقدرة بـ500 مليون دولار، نحو 765 مليون دولار أمريكي، وفق أرقام الموازنة الفلسطينية المقترحة.

ومنذ 2012 حتى 2016، تمكنت الحكومة في تعظيم الإيرادات المالية الضريبية وغير الضريبية "رسوم المعاملات الحكومية من طوابع ورسوم"، بنسبة تفوق 25%.

من جانبه يقول المختص في الشأن الاقتصادي د. رائد حلس: "إن حجم المساعدات الدولية انخفض خلال السنوات الأخيرة بشكلٍ حاد، فبعد أن كانت المنح والمساعدات تشكل حوالي 53% من إجمالي الإيرادات وتحديدًا قبل 9 سنوات يتوقع أن تصل إلى أقل من 25% في عام 2017، ورغم أهمية تخفيض الاعتماد على المنح والمساعدات، تبقى مشكلة تواجه الحكومة نتيجة أن انخفاض المنح والمساعدات يؤدي إلى اعتماد الحكومة بشكل أساس على إيرادات المقاصة ما يعمق ويزيد من التبعية الاقتصادية لـ(إسرائيل)، والأخطر من ذلك قد تلجأ الحكومة لتعويض انخفاض المنح والمساعدات إلى زيادة الاستيراد من الخارج لزيادة أموال الضرائب (المقاصة).

وأكد أنه في هذه الحالة ستبقى حكومة الحمد الله رهينة لمصدرين غير مؤكدين للإيرادات وهما المنح والمساعدات وإيرادات المقاصة، بالتالي مطلوب من القيادة الفلسطينية إطلاق معركة للتحرّر الاقتصادي من (إسرائيل)، أي التخلّص من التبعيّة الاقتصاديّة وتقليص الاعتماد على المساعدات الخارجيّة: فالمرحلة الآن تتطلّب توطين الاقتصاد الفلسطيني، وبناءه على أسسٍ متينة، وقواعد صلبة، وتحويله من اقتصادٍ تابعٍ يرزح تحت الاحتلال، إلى اقتصاد دولة مستقلّة، قادر على الاعتماد الذّاتي، والنموّ المستدام، وخلق فرص عمل دائمة ومستمرّة.

تحقيق الهدف

وأكد أن تحقيق هذا الهدف يتطلب التحرّك في اتجاهين: أوّلًا: توجيه المنح والمساعدات الدوليّة نحو إعادة بناء وتوسعة القاعدة الاقتصاديّة الإنتاجيّة، مع التركيز على بعض القطاعات الاقتصاديّة الواعدة، ذات الأهميّة الاستراتيجيّة، مثل قطاع الصناعات التّحويليّة والصناعات الإنشائيّة، وقطاع الطاقة، ومن ثمّ التدرّج إلى قطاعات اقتصاديّة أخرى، ما سيؤدي إلى تعزيز القدرة الذاتيّة للاقتصاد الفلسطيني، ثانيًا: زيادة القدرة الإنتاجيّة للاقتصاد الفلسطيني كمًّا ونوعًا، مع التركيز على تعزيز جودة المنتج الفلسطيني خلال مراحل الإنتاج والتسويق، وخاصة من خلال تشجيع استخدام تطبيقات التكنولوجيا الجديدة وخفض الرسوم الجمركيّة على الماكينات مرتفعة التكنولوجيا، وإحكام الإشراف على المنتجات المحلّيّة لضمان مطابقتها للمعايير الدوليّة.