الحديث عن سجون الاحتلال وما يجري فيها يطول؛ ولكن الحديث عن البوسطة وهي وسيلة النقل للأسرى بين السجون والمحاكم؛ لا يعرفه إلا من كابده؛ وذاق مرارته، من تقييد للأيدي والأرجل، ومركبة تسير لساعات وأيام، وارتطام الرأس بالحديد.
قبل أسابيع؛ ركبت في البوسطة نحو سجن مجدو لعدة ساعات؛ وكأنها الدهر كله، ولكم أن تتخيلوا وضع إنسان داخل قفص حديدي صغير جدا بالكاد يسعه، مقيد اليدين والرجلين، ولا يستطيع مد رجليه ولا رفع رأسه خشية ارتطامه بالسقف، ووجود حارس على بوابة زنزانة الحديد داخل المركبة، والنفس بالكاد يصل عبر نافذة صغيرة ومغلقه، وتحاول شفط الهواء من خلال فتحات صغيرة جدا لا تكفي للنفس الواحد.
البوسطة؛ تكون عادة في حافلات صنعت خصيصا لنقل الأسرى؛ حيث يتخللها مبيت الأسير في المعابر واحتجازه لساعات في أقفاص حديدية في ظروف صعبة، وقد تمتد هذه "الرحلة" لأكثر من ثمانية أيام متواصلة؛ خاصة إذا كانت المسافة بين سجن وسجن طويلة، أو بين السجن والمحكمة؛ كما يحصل من نقل الأسرى من سجن النقب إلى محكمة عوفر أو محكمة سالم العسكرية.
ومنذ 2006؛ لجأت إدارة سجون الاحتلال لـ "البوسطة المطولة" كوسيلة لنقل الأسرى، بهدف تقليل النفقات واختصار عدد النقليات، غير أن هذا الترشيد جاء على حساب الأسرى وصحتهم؛ كونهم الحلقة الأضعف.
وتعتبر البوسطة رحلة عذاب خاصة للأسيرات والأسرى الجرحى؛ فمع كل مطب يكاد يصرخ الأسير من شدة ألم مكان الإصابة، وجنود الـ"نخشون" في الحافلة لا يأبهون لوجع وآلام الأسرى الجرحى.
ويفضل الكثير من الأسرى عدم حضور جلسات محاكماتهم وجعلها غيابية، هروبًا من جحيم البوسطة، التي يكون فيها الأسير داخل قفص حديدي، يتحرك صعودا وهبوطا مع كل حركة والتفافة على الشارع؛ هذه الأقفاص لا تصلح حتى للاستخدام الآدمي، وهي تشبه تلك التي يتم تجميع الحيوانات فيها.
ولا يتوقف وجع البوسطة على حافلة النقل؛ بل تشمل الأصفاد في الأيدي والأرجل، الحافلة، جنود أل "نخشون"، المعابر، الأقفاص، عملية النقل نفسها، ولكل جزء منها قصة وحكاية تطول لا ينساها أي أسير مهما كانت مدة حكمه.
وتبدأ البوسطة عادة في ساعة مبكرة من الفجر، حيث يتم إخراج الأسرى وتكبيل أيديهم وأرجلهم ويجبرون على ارتداء ملابس السجن البنية "الشاباص"، ثم يتم تجميع وفرز المنوي نقلهم إلى السجون أو المحاكم في أقفاص حديدية مهينة وسط البرد شتاء، والحر صيفا.
وفي بعض الحالات الخاصة يوضع الأسير في الحافلة داخل قفص ضيق لا يتسع سوى لشخص واحد برفقة أسير آخر، وللقارئ أن يتخيل ضيق المكان، حيث لا يقدر أي منهما على الوقوف أو مد قدميه.
وخلال النقل في البوسطة؛ يوضع أكثر من أسير داخل الأقفاص داخل البوسطة والتي تفتقر للتهوية في الصيف وتتسم بالبرودة الشديدة في الشتاء، حيث لا يقوى الأسير على الجلوس على مقاعدها الحديدية، إضافة إلى عدم وجود أي من الظروف الصحية فيها.
في البوسطة أنت وحظك؛ فقد يكون بجانبك وجليسك سجين جنائي يهودي، وفي حالات عديدة لا يتم الفصل بين الأسرى الأمنيين والسجناء الجنائيين، وأحيانا تكون وحدك بين عشرات السجناء الجنائيين اليهود، والعكس صحيح.