كان متوقعا أن يستغل رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو خطابه التاسع على منصة الأمم المتحدة لتسويق مواقفه السياسية، والتحريض ضد أعداء (إسرائيل) في المنطقة، وتحشيد أكبر قدر ممكن من الدول والمنظمات لتأييد خطواتها في مختلف الاتجاهات.
كان الخطاب الأول لنتنياهو أمام هذا المحفل الدولي عام 1998، وبعد غياب استمر أحد عشر عاما عاد من جديد للوقوف على هذه المنصة بين عامي 2009-2018، وفي كل مرة يحرص على بث المزيد من الادعاءات التي لا تستند لكثير من المعطيات الحقيقية، بقدر ما هي مزاعم باطلة، تظهر (إسرائيل) دولة خاضعة لجملة تهديدات محلية وإقليمية، وكأنها بصدد التعرض لمحرقة ثانية.
تبدي المؤسسة السياسية والدبلوماسية الإسرائيلية اهتماما بهذا المؤتمر الدولي السنوي، كونه يجمع العشرات من الرؤساء، ورؤساء الحكومات، ووزراء الخارجية، والمنظمات الدولية، ومؤسسات المجتمع المدني، في مسعى منها لعرض مواقفها وسياساتها أمام هذه المحافل العالمية، التي تنقل هذه المواقف بدورها لمرجعياتها السياسية بعد عودتها من نيويورك.
يتجلى ذلك في جملة من الفعاليات السياسية، أولها خطاب لرئيس الحكومة، الذي يحظى بمتابعة دولية لافتة، كونه يزعم وجود تهديدات تحيط بـ(إسرائيل) من جهة، ومن جهة أخرى يصدر تهديدات ضد دول المنطقة، مما يتطلب من باقي الدول الإصغاء لما يقول، والقلق مما قد يرتكب من حماقات عسكرية في المنطقة.
ثاني هذه الفعاليات تتمثل باللقاءات المكوكية على مستوى القمة التي يعقدها رئيس الحكومة الإسرائيلية مع نظرائه على مستوى العالم، من رؤساء الدول ورؤساء الحكومات، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي، لتنسيق مواقفهما السياسية، وتبني خطوات مشتركة.
ثالث هذه الفعاليات تتمثل بالوفود المرافقة للوفد الحكومي الرسمي الإسرائيلي، اقتصادية وإعلامية، من باب زيادة التشبيك في العلاقات الثنائية الدولية، ورفع مستوى التنسيق بينهما، لترويج السياسات الإسرائيلية على مستوى العالم.
اللافت هذه المرة أن وفدا ليس حكوميا ولا إعلاميا رافق نتنياهو في رحلته الدبلوماسية للأمم المتحدة، وهي عائلة الضابط الإسرائيلي هدار غولدن الأسير لدى المقاومة الفلسطينية في غزة منذ حرب 2014، مما يعني أننا أمام تدويل لقضية الجنود الإسرائيليين الأسرى، ويخدم الرواية الإسرائيلية في هذه القضية بالذات.
أخيراً.. يبدو من السياسة بالضرورة الحديث أن (إسرائيل) بحاجة دائمة لإسناد دولي وظهير عالمي تعتمد عليه في الملمات الصعبة، وهي تعلم أن الخطوة الأولى بإنشائها كانت بقرار دولي تمثل بوعد بلفور، وصولا لقرار التقسيم، وما زالت تحظى بهذه الرعاية الرسمية الأممية، رغم بعض المواقف المعارضة لها هنا وهناك، لكنها ما زالت بنظر هذا العالم ثكنة عسكرية متقدمة لخدمة الأجندات الاستعمارية الكبرى.