قاعة فارغة من الوفود الحاضرة، ولغة جسد كانت تستجدي السلام والمفاوضات مع دولة الاحتلال، تحمل دلالات سياسية على حجم الاستخفاف بالخطاب الذي أدلى به رئيس السلطة محمود عباس أمس، أمام الأمم المتحدة خلال خلوها من معظم ممثلي دول العالم.
لم يظهر عباس صرامته خلال خطابه إلا في لحظة واحدة كان خلالها يكيل التهديدات تجاه قطاع غزة ويتوعده بعدم تحمل أي مسؤولية تجاهه.
عدم ثقة
ويرى الكاتب والمحلل السياسي من جنيف سامر أبو العنين، أن فراغ قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة من الوفود الحاضرة وعدم الاستماع لخطاب عباس، يحمل نوعاً من الاستخفاف بالسلطة وعدم الثقة بما يحمله من مضامين، ويعبر عن ملل دولي من سماع الخطابات المتكررة التي لا تحمل أي جديد.
وقال أبو العنين لـ"فلسطين": "فراغ قاعة الجمعية العامة خلال خطاب عباس يدلل على أن الأمم المتحدة لا تزال متراجعة وغير جادة في التعامل مع القضايا السياسية، وأن تعاطيها مع تلك القضايا لا يعدو أكثر من كونه شعارات رنانة حول الحق بتقرير المصير، واللاجئين، والقدس.
وأضاف أن الوفود قد تكون غادرت القاعة لتوقعها تكرار عباس لنفس الكلام الذي كرره في الخطابات السابقة في الأمم المتحدة حول الشعب الفلسطيني، وقال: "على الأرجح توقعوا عدم وجود تغيرات جوهرية بالموقف، لذلك آثر الجميع مغادرة القاعة وهذا يضعف بشكل كبيرة صورة السلطة".
ورأى أبو العنين أن خلو القاعة من الحاضرين ينعكس سلبا على صورة السلطة، بأنها ليست جادة فيما تسعى إليه، مبيناً أن عباس ارتكب خطأ فادحا وكبيرا عندما تحدث بالأمم المتحدة عن الانقسام الفلسطيني مع أنه شأن داخلي يفترض عدم الحديث عنه.
وتابع: "كان من الخطأ الشديد أن يظهر أن هناك انقساما فلسطينيا، لأنه يعطي الفرصة والذريعة لمن ينتقد الفلسطينيين بأنهم منقسمون، وهذا من شأنه أن يفقد السلطة مصداقيتها وتمثيلها للفلسطينيين".
وأشار أبو العنين إلى أن عزوف الوفود عن الاستماع لخطاب عباس يؤشر لكيفية تعاطي الغرب مع السلطة كأمر واقع ينفذ أجندات وظيفية بملاحقة المقاومة والتنسيق الأمني فقط، وأنه لا يوجد مؤشر للتعاطي معها كشريك أو طرف بأي اتفاق سياسي.
وعن لغة جسد عباس خلال الخطاب، قال إنها كانت لغة عادية يحاول من خلالها لفت الانتباه عبر شاشات التلفزة بعد أن تفاجأ بأن القاعة فارغة، تارة استخدم اللهجة العامية وتارة خرج عن النص المكتوب، ولم تأت الكلمات بجديد لأنها غير مصحوبة بقرارات جادة.
وأضاف أبو العنين أن عباس حاول أن يعبر باليدين وحركات الأكتاف وقسمات الوجه، مستدركا، لكن للأسف عباس لم يغضب خلال الخطاب ولم يبد صرامة واضحة وأنه جاد، إلا عندما تعلق الأمر بغزة وتهديده لها بفرض المزيد من العقوبات عليها، محاولا اعطاء اشارات أن هناك توجهات صارمة، رغم إدراكه أنها لن تكون مقبولة في الأمم المتحدة.
استجداء ويأس كبيران
لماذا سيكون هناك حضور للاستماع لخطاب عباس؟ يتساءل أستاذ الإعلام بجامعة بيرزيت د. نشأت الأقطش، قبل أن يضيف: "إن خطابات عباس أصبحت مملة، لا تأتي بجديد، فليس غريبا أن تكون القاعة فارغة".
وأوضح الأقطش خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين" أنه لطالما لا يوجد جديد في الخطاب فإنه لا قيمة له، "ومن الطبيعي أن تنسحب الدول المؤيدة لأمريكا من القاعة كذلك".
ورأى أن لغة عباس في الخطاب حملت استجداءً ويأسا كبيرين، يستجدي السلام ويريده وهذا أخطر ما في الأمر، وأن لغة جسده تعبر عن وضع عربي فلسطيني والكارثة أن يضع شروطا على حماس في الأمم المتحدة وكأنها هي الند والمحتل وينسى الاحتلال الإسرائيلي أو يمر عليه مرور الكرام، فالأصل أن يكون الموقف الفلسطيني موحدا ضد الاحتلال.
ولفت إلى أن عباس تحدث بنفس الكلمات وكرر نفس المصطلحات التي استخدمها في الخطابات السابقة، معتقدا أن هذا هو الخطاب الأخير لعباس في الأمم المتحدة وقد يكون له دلالات قريبة خلال الشهور القادمة في مسألة وقف الدعم الأمريكي للسلطة.

