أثارت التوترات المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط لا سيما بعد إسقاط الطائرة الروسية في سوريا، وكذلك، عزم موسكو تسليم منظومة صواريخ إس300 لنظام الأسد، ورفض حكومة نتنياهو هذه الخطوة، أثارت العديد من التكهّنات حول نية الأطراف المحلية والإقليمية الاتجاه نحو التصعيد، لا سيما أن حافة الهاوية بالنسبة لاندلاع أي معركة عسكرية "تقليدية" بين الجيوش الموجودة، لم تعد بعيدة أو مستبعدة.
يبدو الجميع من حيث المبدأ حريصين على تجنب اندلاع مثل هذه الحرب التي سوف تشمل انخراط العديد من الأطراف على عكس المعارك المحدودة والقريبة زمنياً، فوجود عشرات الميليشيات والمجموعات المسلحة في سوريا، والتداخل الجغرافي فيما بينها، وكذلك وجود قوات عسكرية تابعة لعدد من الدول الإقليمية والدولية كتركيا وروسيا، وحالة الفوضى الإقليمية التي تشهدها المنطقة، سوف يصعد من احتمالات أي صدام ومواجهة مباشرة، بعد أن كانت مقتصرة على الضربات العسكرية المحدودة التأثير والامتداد.
يبدو أن كيان الاحتلال عازم على تجنب الحرب أيضاً، رغم أن أفعاله تظهر أنه مستعد لقبول خطر التصعيد لمواجهة هذه التهديدات الناشئة وتغير موازين القوى في سوريا، والضغوط الأمريكية المتزايدة على إيران التي تدفع بها إلى خيار الحرب أخيراً. ومنذ عام 2013، نفّذ طيران الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 200 ضربة في سوريا ومنذ أواخر عام 2017، وسع الاحتلال هذه الحملة لاستهداف المنشآت العسكرية الإيرانية في سوريا دون أن تؤدي، حتى الآن، إلى إثارة مواجهة أوسع نطاقاً.
إلا أنّ هذا الشعور بالرضا من قبل كيان الاحتلال ليس له مبرر. فقد جاءت المواجهات العربية-الإسرائيلية الكبرى في الماضي القريب (لبنان في عام 2006، وغزة في 2014) نتيجة تصعيد غير مقصود، ويبدو أن عوامل هذا التصعيد باتت أقرب مما نتصور، مع إعلان نتنياهو استمرار جيشه في مهاجمة الأهداف الإيرانية في سوريا، واستفزاز الحرس الثوري الذي تلقى ضربة موجعة قبل مدة وجيزة في منطقة الأهواز.
يبرز احتمال وقوع حرب أخرى على نطاق لم يسبق له مثيل من حيث التعقيد نتيجةً للحرب الأهلية في سوريا، وقد أصبح من الممكن الآن أن تندلع الحرب على جبهات متعددة وفي أماكن بعيدة وتدور على الأرض، وفي الجو، وفي البحر، وفي مجال المعلومات والنطاق السيبراني من قبل مقاتلين من «حزب الله»، وإيران، وسوريا، والعراق، وأفغانستان، وباكستان، وحتى اليمن، وفي هذا الإطار، سوف يخلق النطاق الموسَّع للحرب المحتملة خيارات عسكرية جديدة.
ما تقدم جاء على لسان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، وربما مع بعض المبالغة، عندما حذّر في حزيران/ يونيو 2017 من أنه "إذا شنّت (إسرائيل) حرباً ضد سوريا أو لبنان، فلا أحد يدري إن كان القتال سيبقى لبنانياً-إسرائيلياً، أو سورياً-إسرائيلياً"، و"قد يفسح ذلك الطريق أمام الآلاف، وحتى مئات الآلاف من المقاتلين من جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي للمشاركة"، وبالمثل، صرّح قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 أن "مصير جبهة المقاومة مترابط والجميع يقفون متحدون، وإذا هاجمت (إسرائيل) أي طرف منها، سيهبّ الطرف الآخر من الجبهة لمساعدته".
من المرجح أن تحدث مثل هذه الحرب نتيجة لتصعيد غير مقصود، في أعقاب إجراء إيراني آخر ضد (إسرائيل) من سوريا، أو في أعقاب ضربة إسرائيلية في لبنان أو سوريا (على سبيل المثال، ضد منشآت إنتاج الصواريخ). ويمكن أن تبدأ نتيجة لضربة أمريكية أو إسرائيلية على برنامج إيران النووي. ويمكن لحرب شمالية جديدة أن تأتي على شكل أحد السيناريوهات الآتية: حرب في لبنان وحده. وهي حرب بين كيان الاحتلال و«حزب الله» في لبنان، لكن يشارك فيها أيضاً الإيرانيون وآلاف المقاتلين الشيعة الأجانب، وتبقى الجبهة السورية هادئة نسبياً، وقد تكون الحرب في سوريا. وهي حرب تقع على الأراضي السورية بين القوات الإسرائيلية والقوات الإيرانية، والميليشيات الشيعية (بما فيها مقاتلو «حزب الله») وربما عناصر من الجيش السوري. وتبقى الجبهة اللبنانية هادئةً نسبياً. ولكن، إذا تم انجراف القوات البرية السورية إلى القتال، فقد تتدخل روسيا لحماية نظام الأسد.
أما السيناريو المرجح فهو حرب على جبهتين، وهي حرب في لبنان وسوريا بين القوات الإسرائيلية والقوات الإيرانية، و«حزب الله» وربما حتى عناصر من الجيش السوري، حيث يعامل كلا الجانبين لبنان وسوريا كمسرح واحد، وموحد للعمليات.
تشكّل روسيا طرفاً فاعلاً رئيساً في سوريا ويمكن أن تكون عاملاً أساسياً في حرب مستقبلية. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، هل ستقف موسكو جانباً، أم أنها ستحد من قدرة (إسرائيل) على ضرب القوات الموالية للنظام في سوريا لمنع خسارة مكاسب الحرب الأهلية ضد نظام الأسد ما بعد عام 2015؟ وهل ستبقى واشنطن غير منخرطة عسكرياً -ربما فيما يتخطى زيادة الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية- أم أنها ستؤدي دوراً أكثر فعاليةً، وترى ذلك كفرصةً لضرب إيران، وبالتالي تعمل على تحقيق هدفها في تقويض نفوذ الأخيرة في المنطقة؟
اعتماداً على مجريات الأمور، يمكن لـ(إسرائيل) أن تواجه احتمالاً مثيراً للقلق، ألا وهو: الجهود الروسية الرامية إلى إحباط استخدامها للقوة الحاسمة، وتحفّظ الولايات المتحدة، ودبلوماسية القوة العظمى غير الفاعلة قد تمنع (إسرائيل) من تحقيق أهدافها العسكرية الأمر الذي لا يختلف عن خاتمة حرب تشرين 1973. وقد يؤدي ذلك إلى حرب طويلة الأمد، وربما إلى حرب تنتهي دون أن تحقق (إسرائيل) أهدافها، وهو ما تحاول حكومة نتنياهو تجييش أكبر قدر ممكن من الحلفاء لضمان خروجها بنتائج مرضية أمام الرأي العام الإسرائيلي، وتحقيق ولو نصرا معنويا أو سياسيا أمام الجبهات المتعددة التي ستخوضها في آن معاً، لكن من المرجح أن تفضي هذه الحرب الإقليمية الواسعة إلى تفاهمات واتفاقات سياسية جديدة تعيد رسم ملامح خارطة الشرق الأوسط سياسياً بعد أن استنفذت أزماته طاقة القوى الدولية الكبرى على استيعابها ومحاصرة تداعياتها!