الخليج الإماراتية
في الأسابيع الأخيرة اتخذت الإدارة الأمريكية سلسلة إجراءات عقابية مشددة، ضد الشعب الفلسطيني.
تقبّل بعض المحللين التفسير الرسمي للبيت الأبيض، القائل إن قراراته الأخيرة في مسألة (إسرائيل) وفلسطين، اتخذت إما نتيجة لاستياء الولايات المتحدة من قرارات القيادة الفلسطينية، وإما كوسيلة ضغط لإرغام القيادة الفلسطينية على «القيام بخطوات تساعد في إجراء مفاوضات مباشرة وبناءة مع (إسرائيل).
وأنا أختلف مع هذا التفسير؛ إذ إن إجراءات وقرارات الإدارة الأمريكية ككل، تدل على نوايا تنذر بشؤم. وفي ما يلي أبرز هذه الإجراءات والقرارات:
1- ألغت الولايات المتحدة مساهمتها في ميزانية وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، كما ألغت الهبة السنوية التي خصصها الكونجرس الأمريكي للمستشفيات الفلسطينية العاملة في القدس الشرقية. وإضافة إلى هذه الاقتطاعات القاسية لمساعدات يحتاجها الفلسطينيون، أغلقت الإدارة الأمريكية البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن، وأعلنت عن خطط لإعادة تحديد من هم اللاجئون الفلسطينيون (بحيث يعتبر لاجئون فقط، أولئك الذين تم تهجيرهم من فلسطين عام 1948 وليس ذريتهم).
2- أيدت الإدارة الأمريكية «قانون الدولة القومية اليهودية»، الذي تبنته (إسرائيل) حديثًا، في حين أنها لم تعترض إطلاقًا على إعلان (إسرائيل) عن مشروع جديد لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية. كما لم تعترض الإدارة الأمريكية على قرار(إسرائيل) بهدم قرية فلسطينية بالكامل في الضفة الغربية، وأيضًا هدم منازل فلسطينيين في القدس.
3- بعد أن هلل السفير الأمريكي لدى (إسرائيل) ديفيد فريدمان، لقرار حكومته بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، أعلن أن هناك الآن «عهدًا جديدًا» في العلاقة بين الولايات المتحدة و(إسرائيل). وقال أيضًا: «نحن لا نقول ل(إسرائيل) ماذا يجب عليها أن تفعل»، ما يعني أن الولايات المتحدة لن تتدخل في ما تفعله (إسرائيل) تجاه الفلسطينيين؛ «لأن هذا قرار يخص (إسرائيل).
إن كل هذه الإجراءات والمواقف الأمريكية تبين بجلاء أن الإدارة الأمريكية تبنت كليًا المواقف المتصلبة لحزب الليكود الإسرائيلي، وبذلك لا ترفض الولايات المتحدة حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير فحسب؛ بل ترفض أيضًا فكرة وجود «شعب فلسطيني».
علاوة على ذلك، تريد الولايات المتحدة أن يتخلى اللاجئون الفلسطينيون في الأردن وسوريا ولبنان عن «حق العودة»، وأن تتولى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رعاية اللاجئين الفلسطينيين وإعادة توطينهم في بلدان أخرى.
وفي حال نجاح هذه الخطة الأمريكية، فإن الشعب الفلسطيني سيتفكك ويتشتت. وبنظر الولايات المتحدة، لن يعود هناك «شعب فلسطيني». ومن جهتها، حصلت (إسرائيل) من أمريكا على حرية مطلقة في التصرف. وبذلك فرضت سيطرتها على كامل مدينة القدس، وأنهت «مشكلة اللاجئين»، وكذلك حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. وعلاوة على ذلك، حصلت (إسرائيل) على حرية مطلقة لكي تهدم وتبني كما تشاء في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
والغاية الضمنية من كل ذلك، هي وضع الشعب الفلسطيني أمام أحد خيارين: إما الرضوخ ل(إسرائيل)، وإما الرحيل عما تبقى لهم من أرض فلسطين.
وكل ذلك يعيد إلى الأذهان الشعار الذي رفعه منذ البداية، اليهود الطامحون إلى إقامة دولة لهم في فلسطين، والقائل إن فلسطين هي «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»؛ بل إن رئيسة وزراء (إسرائيل) السابقة جولدا مائير، قالت يومًا: «لا يوجد شعب فلسطيني».
وهذا الرفض الإسرائيلي القاطع للشعب الفلسطيني كان يفترض أن يكون قد انتهى، مع توقيع اتفاقية أوسلو قبل 25 سنة.
والآن، رفعت الإدارة الأمريكية القناع عن وجهها، وأعلنت موت «عملية السلام» فعليًا.