فلسطين أون لاين

​لِمَ يصوم المسلمون يوم عاشوراء؟

...
غزة - جهاد أبو راس

خصّ الله تعالى بعض الأزمان والأحداث بقداسة معينة، فتكون مناسبات دينية نخصّها بالعبادات التي سنها الرسول (صلى الله عليه وسلم), لتحريك الشعور الديني والتكاتف في قلوب المسلمين، والتي تجعلنا نذكر تلك الأزمان والحوادث التي تربطنا بأصحابها برابط عقدي وتين، ونقبل على تطهير نفوسنا، ويوم عاشوراء هو واحد من تلك المناسبات الدينية التي يخصّها المسلمون بشيء من العبادة والتقرب من الله تعالى.

أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة في كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة أ. د. محمود الشوبكي يتحدث لـ"فلسطين" عن سّبب مشروعيّة صيام يوم عاشوراء.

يقول الشوبكي: إنّ الله عزّ وجلّ أنجى فيه سيّدنا موسى عليه السّلام وبني إسرائيل من قبضة فرعون وقومه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم، فصامه موسى -شكرًا- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأنا أحقّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه).

وورد في فضله، عن الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (صوم عاشوراء يكفِّر السّنة الماضية، وصوم عرفة يكفِّر سنتين: الماضية والمستقبَلة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ما رأيت النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- يتحرّى صيام يومٍ فضَّله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشّهر، يعني شهر رمضان).

ويضيف الشوبكي أن حكم صيام يوم عاشوراء سنة مستحبة، وليس لأحد أن يعيب على من صامه ولا على من أفطره؛ لما ورد عن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (إنّ هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء صام ومن شاء فليفطر).

ويلفت إلى أنه يستحبّ للمسلم أن يصوم اليوم التّاسع مع اليوم العاشر من شهر محرّم لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لمّا صام رسول الله يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنّه يوم تعظمه اليهود والنّصارى، فقال: إذا كان عام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأتِ العام المقبل حتّى توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم).

ويتابع الشوبكي حديثه: إن مراتب صيام يوم عاشوراء ثلاثة، أوضحها ابن القيم في زاد المعاد فقال: (فمراتب صومه ‏ثلاثة: أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التّاسع والعاشر، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصّوم, وأمّا إفراد التاسع، فمن نقص ‏فهم الآثار وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشّرع).

وذهب الشوكاني في نيل الأوطار إلى صيام يوم قبله وبعده احتياطًا ولكن ما أوضحه الحديث هو مخالفة لليهود والله أعلم, قال صلّى الله عليه وسلّم: (صوموا يوم ‏عاشوراء وخالفوا فيه اليهود: صوموا قبله يومًا، وبعده يومًا).

وبين الشوبكي أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرّم وأن كلمة عاشوراء جاءت هنا بمعنى اليوم العاشر، وهذا هو سبب الاشتقاق والتّسمية.

وأخيرًا قال: يستحبّ للمسلم أن يوسع على أهله وأطفاله في عاشوراء، لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنّه مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ).

أما ما ورد مِنَ الاِحْتِفَال، وَالاِكْتِحَال، وَالاِخْتِضَابِ يَوْمَ الْعَاشِرِ وَلَيْلَتَهُ –وفق قوله-: فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّ الاِحْتِفَال فِي لَيْلَةِ الْعَاشِرِ مِنْ مُحَرَّمٍ أَوْ فِي يَوْمِهِ بِدْعَةٌ، وَأَنَّهُ لاَ يُسْتَحَبُّ شَيْءٌ مِنْ ذلك بَل هُوَ مِنْ وَضْعِ الْوَضَّاعِينَ وأَهْل الْبِدَعِ.

ويكمل الشوبكي: "وكذلك ما يفعله الشيعة في هذه الأيام من لطم الخدود، وشق الجيوب، وضرب الظهور بالعصي والسكاكين والسيوف فهو أيضًا من البدع المنكرة", مضيفًا: "ويشرع لنا أن نتقرب إلى الله بالطاعات من صيام وصدقة وسائر أعمال البر، شكرًا لله، حين يحقق الله لنا نصرًا، ويهبنا نعمة عظيمة، على أن لا نجعل ذلك سنة؛ لأن السنة تحتاج إلى دليل، والله أعلم".