ما زالت (إسرائيل) تحقق في مجريات عملية الطعن الأخيرة في مستوطنة غوش عتصيون، التي نفذها الفتى الفلسطيني خليل جبارين، وأسفرت عن مقتل أحد رموز المستوطنين في الضفة الغربية، رغم تأكد المخابرات الإسرائيلية أن العملية من نموذج الهجمات الفردية، ولم يتم توجيهها من قبل المنظمات الفلسطينية.
التحقيق الإسرائيلي للعملية يتجاوز القضايا التفصيلية الجنائية والأمنية، ويصل للبحث في الأرضية التي جعلت ظاهرة العمليات الفردية تعود بعد غياب، وتطرح أسئلة مقلقة أمام الجيش وجهاز الشاباك، من قبيل: إلى أي حد قد نكون مقبلين على تكرار مثل هذه العمليات بسبب الانسداد السياسي الحاصل في الضفة، وزيادة انتهاكات المستوطنين، وكم سيفيد حجم الثقة التي توليها (إسرائيل) للأمن الفلسطيني في الحيلولة دون تنفيذ المزيد من العمليات، وما الذي يضمن لـ(إسرائيل) ألا تكون الضفة على موعد مع رماد تحته وميض نار، ويوشك أن يكون له ضرام؟
هذه الأسئلة وغيرها دفعت أوساطًا أمنية وعسكرية إسرائيلية للحديث عما وصفتها "الجبهة الأكثر تعقيدًا" ، بما لا يقل خطورة عن جبهة غزة التي قد تندلع بأي لحظة، على اعتبار أن التصعيد المحتمل في غزة، ربما أنسى الإسرائيليين حقيقة أن الجبهة الأكثر تعقيدا التي يتعاطى معها الجيش هي الضفة الغربية.
ترى دوائر صنع القرار الإسرائيلي، لاسيما بعد عملية الطعن الأخيرة، والكشف عن مئات العمليات التي تم إحباطها خلال العامين الماضيين، أن الاحتكاك الدائم بين مليوني فلسطيني ومئات آلاف الإسرائيليين، والحاجة للدفاع عن مئات المستوطنات وآلاف الكيلو مترات من المحاور، كل هذه أتون دائم للعمليات: المنظمة بالسلاح، أو العفوية التي ينفذها فرد يحمل سكينا.
تعتقد (إسرائيل) أن الهدوء الذي تشهده الضفة الغربية، وتخترقه عملية هنا وهجوم هناك، لا يجعلها تنسى أنها أمام استحقاقات ميدانية وأمنية، قد لا تكون وشيكة الوقوع، لكن حدوثها مسألة قائمة ومتحققة، في ظل المخاوف التي تكتنف الأجهزة الأمنية والجيش الإسرائيلي، وهما يبحثان عن تبعات "اليوم التالي" لحدوث شغور في الموقع الرئاسي الفلسطيني، أو أن تتخذ السلطة الفلسطينية قرارات سياسية للرد على واشنطن، ويكون لها تبعات ميدانية على الضفة.
صحيح أن الوضع في غزة مرشح للانفجار بصورة أكثر قسوة على الجبهة الداخلية في (إسرائيل)، لكن الضفة الغربية التي لا يفصل مدنها عن التجمعات الاستيطانية سوى أمتار معدودة، يجعلها أكثر حرجا وحساسية من الناحيتين الأمنية والعسكرية.
هذا يؤكد أن التركيز العسكري والعملياتي الذي تظهره (إسرائيل) يجعل يدها على الزناد على مدار الوقت تجاه غزة، وفي الوقت نفسه يجعل عيونها مفتحة وراداراتها موجهة نحو الضفة الغربية.