فلسطين أون لاين

​زيت "البدودة" طقوس ما قبل موسم الزيتون

...
صورة أرشيفية
قلقيلية/ مصطفى صبري:

قبل بدء موسم الزيتون في فلسطين لدى المزارعين طقوس تبدأ قبل قطف الثمار في شهر أيلول (سبتمبر)، فيقطف الزيتون الأخضر، ويدخن على النار، ثم يعصر بتمرير حجر كبير عليه، ويبدأ الزيت بالسيلان من حبات الزيتون المدخنة، ويتجمع الزيت الذي يكون لونه أخضر مائلًا إلى السواد من شدة خضرته القاتمة.

المزارع السبعيني عبد الرحيم الدراد من قرية كفر جمال شمال قلقيلية يقول عن زيت البدودة: "مذاقه يبقى عالقًا في الفم عدة أيام، وهو مفيد صحيًّا كونه خافضًا للسكر والدهون كل أنواعها، وهو مستخلص بطريقة يدوية"، واصفًا تغميس الخبز البلدي به مع حبات الزيتون وقرص الجبنة بالأكلة الملوكية، وطعم هذا الزيت لاذع جدًّا، ويكاد يحرق الحلق، لذلك يستلذّه الذوّاقة، وينتظرون موسمه لدعوة الأحباب والأصدقاء.

ويبين الدراد أن المزارعين يجمعون الثمار من الزيتون الأسود (ويطلق عليه زيتون المونة)، وبعد جمعها توضع في حوض صخري منحوت سابقًا، وبعد تدخين ثمار الزيتون يضعها المزارعون في منخل شبكي حتى يسيل منه الزيت بعد تمرير حجر كبير عليه، ويبدأ الزيت بالسيلان عبر قناة صخرية رفيعة إلى حوض في الصخر ويتجمع الزيت في إناء، ويكون جاهزًا للأكل، "ويمكن حفظ زيت البدودة عدة سنوات، ويبقى طازجًا صالحًا للاستخدام"، على وفق قوله.

يتابع قائلًا: "عملية تذبيل الزيتون الأسود على النار تجعله جاهزًا للعصر باستخدام حجر كبير، وقبل استخدام منخل الشبك كنا نلف الزيتون المذبّل على النار بقطعة قماش، ومنها يسيل الزيت الذي تفوح رائحته في المكان بقوة".

أما المزارع السبعيني فوزي غانم من قرية أماتين شرق قلقيلية فيقول: "ثمار الزيتون في شهر أيلول تكون جاهزة لعمل زيت البدودة، فبعد تعريضها على النار وتدخينها تكون جاهزة للعصر بطريقة يدوية".

ويلفت غانم إلى أن اسم البدودة يعود إلى حوض ينقر في الصخر يقال له "البد"، ويخرج من هذا "البد" قناة رفيعة تزوده بالزيت الذي يسيل من الزيتون المضغوط بحجر كبير، ويكون الزيت طازجًا يحمل رائحة مميزة ومذاقًا طيبًّا، فهو تراث فلسطيني بامتياز.

لكن المستوطنين كما يقول يعكرون صفو موسم الزيتون، خاصة الأراضي المعزولة خلف جدار الفصل العنصري، فكل مزارع لديه أرض يفصله الجدار عنها لا يتمكن من الوصول إليها في الوقت المناسب لاستخراج زيت البدودة.

يتابع: "لا نستطيع استخراج زيت البدودة لأن الاحتلال الإسرائيلي يسمح لنا بالوصول إلى أراضينا في شهر تشرين الأول (أكتوبر)، ويكون الوقت فات لاستخراجه"، إضافة إلى عدم تمكن المزارع من إشعال النار وتذبيل الزيتون في الأراضي الواقعة خلف الجدار، لأن جيش الاحتلال والمستوطنين يمنعونهم من هذه الطقوس.

ويلفت غانم إلى أنه لا يخلو حقل زيتون في فلسطين من حوض صخري صغير كان يستخدم لاستخراج زيت البدودة، ومع الاستيطان ومصادرة الأراضي وعزلها خلف الجدار تضاءلت هذه الظاهرة في حقول الزيتون الفلسطينية، فالاستيطان والاحتلال لا يقضيان على الأرض فقط بل أيضًا على التراث الفلسطيني المرتبط بالأرض وتاريخها.