حبر كثير سال في الأيام القليلة الماضية، باللغتين العربية والعبرية، في ذكرى إحياء اليوبيل الفضي لتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993، من خلال تسويق كل طرف لموقفه السياسي، وتحميل الطرف الآخر مسئولية ما آلت إليه الأمور، من جمود وتعثر، وإن شئت فقل فشلاً ذريعا.
يعمد الفلسطينيون إلى تحميل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الجانب الأكبر في الخطايا السياسية التي ارتكبتها منذ العام 2000، وأسفرت جميعها عن انتكاسة تاريخية لاتفاق أوسلو، بدءا بفشل مفاوضات كامب ديفيد بزعامة إيهود باراك، مرورا بأريئيل شارون، وانتهاء ببنيامين نتنياهو في ولاياته الحكومية الثلاث.
ربما يقفز الفلسطينيون، لاسيما أنصار مسيرة التسوية، بقصد عن حقبة إيهود أولمرت التي لم تمتد طويلا بين أواخر عهد شارون وبداية نتنياهو 2006-2009، لأنه حاول إبرام صفقة مع السلطة الفلسطينية بما يتماشى مع السقف السياسي الذي وضعه اتفاق أوسلو، يزيد قليلا أو ينقص كثيرا.
الإسرائيليون يكادون يجمعون، باستثناء بعض الأقلام، على تحميل الفلسطينيين مسئولية إخفاق مسيرة أوسلو في ذكراها الخامسة والعشرين، فهم يعتبرون الرئيس الراحل ياسر عرفات المتهم الأول بالتنصل من اتفاق أوسلو، بسبب عدم تجاوبه مع العروض التي قدمها باراك في كامب ديفيد، والقيام بخطوات بعيدة من خلال إطلاق انتفاضة الأقصى، وما تخللها من هجمات دامية ضد الإسرائيليين، أفقدتهم أي أمل بنجاح السلام مع الفلسطينيين.
في الوقت ذاته، لا يبرئ الإسرائيليون ساحة الرئيس الحالي محمود عباس، عراب أوسلو الحقيقي، من مسئولية فشل مسيرته التي بدأها بخط يده قبل ربع قرن من الزمان، ويزيد، وهو أمر لافت وغريب، لكنه يدل على حجم الشهية الإسرائيلية المفتوحة باتجاه الحصول على مزيد من التنازلات الفلسطينية على ما تبقى من قضايا رئيسية.
اليوم، في ظل إحياء هذه الذكرى لهذا الاتفاق سيئ الصيت، يسعى الإسرائيليون، كما هو واضح من ممارساتهم على الأرض، إلى تجاوزه، والقفز عنه، رغم ما حقق لهم من إنجازات سياسية وأمنية واقتصادية، من خلال انتهاج سياسات أحادية الجانب، وفرض حقائق على أرض الواقع.
لعل ما يعزز هذا النهج الإسرائيلي الجديد بديلا عن مسيرة أوسلو: عدم قناعتها بالدخول في مفاوضات غير مجدية مع السلطة الفلسطينية من جهة، ومع وجود إدارة أمريكية تقف على يمين اليمين الإسرائيلي من جهة ثانية، وبالتزامن مع وضع فلسطيني مهلهل لا تظهر فيه السلطة تمثلهم جميعاً، بسبب حالة الانقسام السائدة.
هناك الكثير مما قد يقال في سلبيات وكوارث اتفاق أوسلو على صعيد القضية الوطنية الفلسطينية، لكن الأخطر أن يعاد إخراجه اليوم في صفقات مريبة، واتفاقات سياسية تتجاوز الفلسطينيين، وتعيد عليهم زمن الوصاية العربية والدولية، وتعيد إنتاج ما هو أسوأ من أوسلو!