الوطن العمانية
كان رئيس السلطة محمود عباس يعتبر أن اختيار الراحل ياسر عرفات للكفاح المسلح خيار غير موفق وغير صحيح، في حين أن عرفات حين وصلت به الامور الى الخيار “السلمي” قدم أوراقه كلها على مائدته، ووقع أوسلو كمن يقول إنه الطريق الآخر الذي نجربه، لكن التجربة جاءت فخًّا اصطادته فيه (إسرائيل) وانتهى برحيله، ليخلفه الرجل الذي كره البندقية وكل السلاح.
اليوم تتقاذف القضية الفلسطينية كل العوامل المؤذية لها، فعلام الصبر؟ هل للسياسة حكمة واحدة، أم هي لها أرجل متعددة لا بد لكي تقف سليمة أن تظل موجودة؟ فإذا (اسرائيل) ما زالت تأكل الضفة، ولا تعترف بشرعية السلطة كما لا تريد الحوار معها، وتبصم على كل انجاز اميركي مهما كان نوعه لأنه يحقق غاياتها.. فمثلا، تفاصيل صفقة القرن في جيب محمود عباس، ونقل السفارة الاميركية إلى القدس أمام عين محمود عباس، وقطع الأموال عن الاونروا ضمن حسابات محمود عباس، وهذا مكتب منظمة التحرير في واشنطن يتم اغلاقه فيما المعلومات أن الرئيس الفلسطيني كان من أكثر من زاروا الولايات المتحدة والتقوا رئيسها الميمون ترامب .. ويعرف أبو مازن أن ما تحقق لـ(إسرائيل) في عهد ترامب وما سيتحقق لم يسبق له مثيل في تاريخ كل الرؤساء الاميركيين، ناهيك عن الكلام المباح لجون بولتون عن الجنائية الدولية التي ظن رئيس السلطة أن (اسرائيل) سوف ترتعد منها.
هناك في علم الحكم شيء اسمه الغضب اذا لم يكن بوسع الحاكم أن يواجه لقلة ما في اليد وفي الإمكانية، حتى هذا لم نرَه، في حين يعوم الرئيس عباس على قوة فلسطينية أثبتت عبر كل التواريخ أنها الرقم الصعب. لكنه بكل أسف يريد ثورة غاندية، فيما (اسرائيل) أبشع من الاستعمار البريطاني يوم رمته ومن معه من الشعب الفلسطيني في البراري وصنعت لها كيانا بين ذكاء قادتها وسعادة المؤازرة من العالم الذي بات معروفا، والشكوك التي رافقت مواقف العرب آنذاك في كونهم ساهموا باللعبة ولكن كل على طريقته.
لا يغضب أبو مازن، بل هو يفرح الولايات المتحدة حين يقول بأنه قطع الحوار معها وهي في الأصل لا تريده، انسجاما مع سيدتها (اسرائيل). الاعتقاد السائد أن ما يسمى صفقة القرن تمضي بالتقسيط من خلال تجارب أميركية واضحة المعالم ازاء القضية الفلسطينية، ودون أن يقال أي تعبير عنها أو إشارة لها. وبالاعتقاد أيضا، أن مفهوم الكونفدرالية طعم مكرر لماضٍ يعاد بعثه ضمن مفهوم جديد أقله القاء الرعب عند الأخ الأردني الذي كان واضحا على لسان الملك عبد الله الثاني حين سأل بتعجب “كونفدرالية مع مين؟!”.
اغضب يا سيادة الرئيس محمود اغضب، لكن السيف أصدق إنباء من كل اتكالك على ما تكرهه لدى شعبك الذي يحبه ويهواه ويتمناه وينتظر كلمة السر فيه ويترحم على أيامه التي صمت فيها رصاصه فإذا بقضيته تتحول إلى شبر من الأرض وإلى مجرد علم مرفوع على مركز الرئاسة فقط، واذا التاريخ الفلسطيني الأجمل قد توقف يوم أمرت بحكم الكلمات وحدها وبالصيغ المجبولة بالانتظار الممل الذي أوصل إلى ما وصلت إليه.
اغضب يا سيادة عباس حتى غصن الزيتون الذي رفعه الراحل ياسر عرفات في الأمم المتحدة عام 1974 اصفرت أوراقه وتناثرت يوم ظلت السيوف في غمدها.