تدخل مباحثات التهدئة بين المقاومة والاحتلال التي أعلن عن توقفها من قبل مصر قبل أيام مرحلة من الجمود في ظل تطورات سياسية فلسطينية وإسرائيلية وإقليمية، بالتزامن مع دخول إسرائيل والمنطقة في هذه الأيام حالة من البيات الشتوي السياسي في ظل الأعياد اليهودية من جهة، واجتماعات الأمم المتحدة من جهة أخرى، مما يعني عدم وجود حراك جدي لاستئنافها ما لم يطرأ طارئ على الأرض يعيد لها الديمومة التي كانت تصاحبها قبل أسابيع.
الإسرائيليون الذين أغراهم الهدوء الذي شهدوه في الأسبوعين الماضيين تزداد لديهم الفرضيات القائلة بأنهم لن يبدوا ملكيين أكثر من الملك، في ضوء الفيتو الذي ترفعه المقاطعة برام الله أمام إبرام أي تهدئة في غزة، فضلا عما قد يحمله أي تجاوز للسلطة الفلسطينية من تعرض التنسيق الأمني في الضفة الغربية للخطر، وهو ما لا تجد إسرائيل نفسها في عجلة من أمرها لتحقيق هدوء أمني في غزة، يقابله توتر أمني في الضفة.
وقد شهدت الأيام الماضية مواقف سياسية في الساحة الإسرائيلية بدا كما لو أنها تنحو منحى اليمين في التعامل مع صيغة التهدئة التي قطعت شوطا طويلا مع حماس وفصائل المقاومة، بين مشترط لأن تشمل تبادل الأسرى، ورافض لإعطاء حماس جائزة في منحها استراحة محارب لعدة سنوات، ومتحفظ على تجاوز "الشريك الأمني" في الضفة الغربية، ومتريث بانتظار ما قد تشهده أروقة الأمم المتحدة من انعقاد قمة فلسطينية أمريكية، ما زال الحديث بشأنها تشوبه كثير من الضبابية.
الحاصل فعليًّا أن إسرائيل بعد أن كسبت من الفلسطينيين، قضاء الإجازة الصيفية لمستوطنيها، دون مواجهات أو حروب، لن تألو جهدا في شراء مزيد من الوقت معهم، لا سيما مع وسيط مصري لا يبدي كثيرا من الاهتمام بالكارثة الإنسانية المتحققة في غزة، بعد أن تم إقصاء حامل الحقيبة المالية في قطر عن التقدم بمشاريع إغاثية وإنسانية من قبل السلطة الفلسطينية.
صحيح أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فما بالنا لو كنا أمام جحر مصري، وآخر إسرائيلي، وثالث أممي، ورابع فلسطيني الجنسية، هذا يعني صعوبة المهمة أمام قيادة المقاومة، التي ترى نفسها في وضع لا تحسد عليه بعد أن رفعت سقف التوقعات، وأظهرت أن الأمور قاب قوسين أو أدنى من التوقيع، وأن إنجازات التهدئة وإرهاصاتها باتت على مرمى حجر.
أدرك أن الخيارات صعبة، وصعبة جدا، وربما تسعى غزة في قادم الأيام لمحاولة المفاضلة ليس بين الخير والشر، ولكن بين خير الخيرين وشر الشرين، وإن كانت البدائل القاسية والمكلفة تلوح في الأفق، لكن المقاومة مدعوة بكثير من رباطة الجأش إلى عدم الذهاب بعيدا في هذه البدائل، لاعتبارات كثيرة، أهمها أننا قد جربناها سابقا، ولم تأتِ لنا بحلول سحرية.