قبل أيام أظهرت تقارير إخبارية بأنّ يحيى السنوار رئيس حركة حماس في غزة مختفٍ منذ مدة، ولا يظهر إلا أوقات قصيرة، وذلك خلال مشاركته للجماهير في بعض فعاليات مسيرات العودة المتجددة، وقد تساءل كاتب مقال بعنوان: "أين السنوار؟" عن سبب اختفاء السنوار، معتمدًا في ذلك على تقارير لصحفٍ إسرائيلية تدّعي أنّ السنوار يختفي لمعارضته اتفاق تهدئة أو هدنة مدة زمنية طويلة، يذكر أنّ السنوار بعد انتخابه رئيسًا لحركة حماس وضع على سلم أولوياته ملف المصالحة الفلسطينية، وعلى إثر ذلك حلّت حماس اللجنة الإدارية التي كانت تشرف على إدارة قطاع غزة، أيضًا السنوار سافر إلى القاهرة للشأن نفسه، لكنّ هذه المصالحة تعثرت، خاصة بعد حادثة التفجير التي استهدفت موكب رئيس الوزراء رامي الحمد الله، إضافة إلى طلب حركة فتح والسلطة "التمكين" في إدارة القطاع، والمقصود بذلك هو السيطرة التامة على ملف الأمن والأجهزة التي تديره، وإنهاء أي مظاهر للتسلح لأيّ فصيل كان، إذ تسمي السلطة هذه الفصائل التي تحمل السلاح ميليشيات.
نتيجة لتعطل المصالحة وبعد العقوبات التي فرضت على قطاع غزة وطالت رواتب آلاف الموظفين ازدادت صعوبة الوضع المعيشي، وتفاقمت آثار الحصار الذي فرض على قطاع غزة منذ أحد عشر عامًا، ومن هنا ظهرت مسيرات العودة صورة سلمية للمقاومة، توجه بوصلتها نحو الاحتلال مسؤولًا مباشرًا عن الحصار، بتعدد وسائل المقاومة فيها التي كان لبالوناتها الحارقة بالغ الأثر على الساحة السياسية الإسرائيلية، التي أصبحت تواجه حالة فريدة من المقاومة لم تشهدها قبل ذلك، وهي لا تستطيع كذلك أن توجه صواريخها وفوهات مدافعها نحو فتية يرسلون طائرات ورقية مشتعلة أو بالونًا حارقًا.
من هنا ظهرت فكرة تخفيف الحصار، وتطورت إلى عقد تهدئة طويلة أو هدنة يسوقها ويروجها مبعوث الأمم المتحدة بمجموعة من الأفكار، وفي الوقت الذي كان الإعلام ينتظر توقيع هذه الهدنة من طريق القاهرة ظهر خلاف إسرائيلي داخلي في وجهات النظر بين الجيش و(شاباك)، إذ يرى الجيش أنّ تخفيفًا موسعًا للحصار سيكون له دور كبير في إبعاد شبح الحرب التي لا يرغب بها السياسيون وقادة الجيش الإسرائيلي، في حين يرى قادة (شاباك) أنّ توقيع أي اتفاق مع حماس دون وجود السلطة الفلسطينية في صورته سيضعف الرئيس أبا مازن، الذي التزمت سلطته سنوات طويلة بالاتفاقيات الموقعة، وعلى رأسها التنسيق الأمني، ومن هنا أي اتفاق منفرد مع حماس سيشجع تصعيد المقاومة في الضفة الغربية لتحقيق ما لم تحققه المفاوضات.
من هنا بدأت الصورة تتجه -وخاصة من طريق القاهرة- إلى أن أي اتفاق يجب أن يمر من طريق السلطة، وتوقيع الرئيس أبي مازن الذي يشترط لقبوله ذلك تخلي حركة حماس بصورة كاملة عن الحكم في غزة، مع تفكيك جناحها المسلح الذي يصفه بالميليشيات، ومن هنا يرى المراقبون أنّ ملف التهدئة المرتبط بتخفيف العقوبات يراوح مكانه.
ولكن في المقابل إنّ حركة حماس لها نظرةٌ أخرى، أوضح بعض ملامحها رئيس هذه الحركة خلال لقاء جمعه بعدد من الكتاب والمحللين السياسيين بمدينة غزة بتاريخ 29/8/2018م، وقد أرسل السنوار رسائل عديدة للداخل والخارج، فقد شدّد السنوار على أنّ هذا الحصار سيُكسر خلال مدّة لا تتجاوز الشهرين، حتى لو لم تنجز المصالحة، وأنّ حركته لن تقبل تجويع أهل غزة، وفي ذلك رسالة مشتركة إلى السلطة التي يريد دفعها باتجاه المصالحة، والاحتلال الذي يعاني من استمرار المقاومة المتواصلة على حدود القطاع وبالوناتها الحارقة المؤلمة.
وبين السنوار أنّ حركته ترفض تسليم سلاحها إلا لمجلس وطني توحيدي يؤمّن له سلاح المقاومة، ومن المعلوم أنّ هذا أمر شائك وشبه مستحيل في ظل تعثر المصالحة التي تصطدم بملف الرواتب، الذي أهو خف بكثير من ملف سلاح المقاومة، ومن هنا إنّ أي تهدئة حالية ستكون بعيدة عن هذا الملف، وستحدث بمعزل عنه.
وفي معرض كلامه للمواطن الفلسطيني قال: "إن هدف حماس دعم الحاضنة الشعبية التي وقفت مع المقاومة بكل الوسائل، ولن نرتاح إلا عندما يحيا المواطن حياة كريمة وسوف نسعى إلى ذلك، مهما كان الثمن".
وفي حديثه عن المصالحة أضاف: "إنّ هناك أطرافًا (سمّاها باسمها) عملت منذ اليوم الأول من تفاهمات 2017م على تخريب المصالحة بتفجير موكب اللواء توفيق أبو نعيم، وتفجير موكب رامي الحمد الله رئيس الوزراء"، وذلك في إشارة إلى جهات تريد ترسيخ حالة الفرقة والانقسام وتحويلها إلى حالة دائمة.
وفي ختام لقائه أرسل رسالته العسكرية التي كررها قبل ذلك ويوجهها مباشرة للاحتلال، أنّ قدرات المقاومة قد تضاعفت بصورة لا يتوقعونها، وأنّ أعداد الصواريخ التي قد تطلقها المقاومة في خمس دقائق تساوي ما أطلقته في حرب 2014م كاملة، إضافة إلى دقة تصويبها وحجم رؤوسها التفجيرية، والسنوار بهذه الرسالة يريد أن يدفع القادة الإسرائيليين إلى تغليب الجانب السلمي المعتمد على رفع الحصار، وهذه الرسالة قد يعرفها جيدًا قادة الجيش وضباطه الذين شاركوا في حرب 2014م، وعانوا منها وما زال بعضهم يكابد آثارها.
الأيام القادمة ستفصح عن اتجاه الأحداث، وعن بوصلة الحراك السياسي الذي قد يفضي إلى تفاهمات تبعد شبح الحرب فقط برفع الحصار عن المواطن الفلسطيني في قطاع غزة، وقد لا يكون هناك خيار آخر لقادة الاحتلال إلا مواجهة عسكرية يدفع باتجاهها من هم خارج دائرة القرار الإسرائيلي لأهداف انتخابية بحتة.