تواجه القدس هذه الأيام حملة مسعورة من قبل الصهاينة والأمريكان، تستهدف كيانية القدس وهويتها ووجودها، وتستهدف أصولها وجذورها الإسلامية الفلسطينية، ولا تقبل هذه البقعة الطاهرة القدس وهذا المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين التفاوض أو المساومة، ولا يقبلان القسمة والتقسيم، اليوم القدس تواجه وحدها مخططات المساومة ومخططات التقسيم ومخططات التهويد ومخططات الفصل والانفصال عن أرض فلسطين المباركة.
وها هو الرئيس الأمريكي "المجنون" يعلن إزالة القدس عن طاولة المفاوضات (الوهم والسراب)، التي تجري منذ عام 1991م بين مجموعة مفاوضين يمثلون الجانب الفلسطيني والجانب الإسرائيلي، ونتيجة هذه الأعوام من المفاوضات والمباحثات صفر كبير؛ فلم يأخذ الفلسطيني أي حق من حقوقه في ظل تعنت الاحتلال الإسرائيلي، وإمعانه في جرائمه بحق أبناء شعبنا الفلسطيني، ومواصلة جرائم الاستيطان والتهويد على أرضنا الفلسطينية.
لم يعد أي كلام أو فعل لفريق مفاوضات أوسلو "البائسين"، هذا الفريق الذي بيع إليه الوهم السراب الكبير تحت مسمى دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس؛ فقد أعلنها الرئيس ترامب الأسبوع الماضي في رسالة للمفاوض الفلسطيني: أن القدس قد أزيلت عن طاولة المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وهذا الإعلان الخطير ضربة أمريكية كبيرة لجهود سبعة وعشرين عامًا من المفاوضات، والجري وراء سراب المباحثات السياسية، والوعود الأمريكية بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.
بعد حديث ترامب في موضوع القدس لم يعد يجدي نفعًا التعويل أو الرهان على مسارات التفاوض والخطوط والقنوات التفاوضية بين الاحتلال وسلطة أوسلو في الحصول على حقوق شعبنا الفلسطيني، ولم يتبق من مواضيع سياسية فلسطينية هامة على طاولة المفاوضات بعد الإعلان الأمريكي إزالة قضية القدس، وقد نجح الصهاينة وصناع القرار الأمريكي في تمريرها على المفاوض الفلسطيني وفريق عباس وزمرته البائسة.
يؤكد الكاتب أن الهدف الصهيوني الأمريكي من المفاوضات مع الفلسطينيين هو وقف انتفاضة الشعب الفلسطيني ووقف ثورته على الاحتلال الصهيوني، وسرقة المزيد من أرضنا الفلسطينية وبناء المستوطنات عليها.
لقد جاء إعلان الرئيس ترامب تتويجًا للأوهام والأكاذيب التي تسوقها الإدارة الأمريكية منذ أكثر من عشرين عامًا بخصوص المفاوضات على القدس، بحيث تكون عاصمة الدولة الفلسطينية "المنصوص عليها" في اتفاقات المفاوضات بين فريق أوسلو والكيان الصهيوني.
إن المفاوضات كانت أكذوبة كبيرة على شعبنا منذ بداياتها منذ مفاوضات مدريد عام 1991م ومرورًا بمفاوضات أوسلو عام 1993م؛ ففي نهاية المطاف وعد المجتمع الدولي الرئيس الراحل أبا عمار بدولة فلسطينية مستقلة عام 1999م، ولم يتحقق الوعد، ولم يحصل الرئيس الراحل أبو عمار علي أي شيء منها، بل إن الكيان الصهيوني لم يسلم لسلطة أوسلو المناطق المتفق عليها ضمن الاتفاقية والمصنفة (ج)؛ فالمستوطنات الصهيونية أكلت الأخضر واليابس في الضفة، وأيضًا غزة لم تسلم بالكامل، حيث كان عدد من المستوطنات، انسحب منها بفعل صواريخ المقاومة عام 2005م.
لقد استطاع الصهاينة والأمريكان تأجيل الحديث في موضوع القدس على طاولة المفاوضات وتأخيره، بهدف استكمال مشاريع الاستيطان والتهويد؛ فكان لهذا التأجيل نتائجه كارثية على القدس والمسجد الأقصى، حيث وظف الصهاينة هذا التأجيل زمانيًّا وسياسيًّا، وبدؤوا يسابقون الزمن في تهويد و"أسرلة" المدينة وإغراقها بالمستوطنات، والإمعان في سياسة فرض الأمر الواقع، وتغيير الحقائق والمعالم على الأرض، وبدؤوا شن حرب لا هوادة فيها على الوجود المادي والمعنوي للمقدسيين.
إذًا تكشفت المؤامرة مثل عين الشمس، ونجح الصهاينة والأمريكان والأوربيون في بيع الوهم والسراب للمفاوض الفلسطيني، واستطاعوا خلال سبعة وعشرين عامًا إحكام السيطرة على الأرض الفلسطينية، وإحاطة الضفة الغربية بآلاف الوحدات الاستيطانية، وتكثيف مشاريع تهويد القدس حتى استكمال مخططات القدس 2020م، وهو ما يعمل عليه الصهاينة بكل شراسة وسط العمل على إشغال العالم والفلسطينيين على مدار الساعة بالمشروع الأمريكي الجديد للمنطقة (صفقة القرن).
لقد تكالب الأمريكان والصهاينة والملحدون والفجار على القدس من أجل تهويدها وتدميرها، وبنو العرب في ملذاتهم وشهواتهم غارقون، همهم الكبير الحفاظ على الكرسي والحكم من السقوط والتدنيس، ونسأل الله أن يحفظ القدس والمسجد الأقصى من شرورهم ومكائدهم، وأن يبعث للأقصى من يحرره من دنس المحتلين الصهاينة.
إن قضية القدس هي القضية الأساسية والكبرى في صراعنا مع الاحتلال الصهيوني، وهي من الثوابت، والتنازل عن ذرة تراب فيها خيانة كبيرة للشعب الفلسطيني والأرض والهوية، وهي لا تخضع للتفاوض أو المساومة.