ما زالت غزة الصامدة العقدة في وجه الكيان الصهيوني، ومازالت تشكل خطرًا كبيرًا على وجود الكيان، وهي على تواضع سلاحها الدفاعي تشكل الإزعاج الدائم للكيان الذي يمتلك رؤوسًا نووية، وما إن تبدأ جولة عسكرية بغزة في مواجهة الكيان حتى تبدأ الوساطات الأممية في التحرك، بهدف لملمة الأوضاع وعدم الانجرار في حرب مع الكيان؛ فمثلًا "البالونات الحارقة" والطائرات الورقية التي يطلق الأطفال والصبية على المغتصبات الصهيونية تشكل رعبًا للكيان واستنزفت قواه وطاقاته.
إن التحرك العسكري الصهيوني الأخير ضد غزة وقصفه عددًا من المناطق والأهداف يؤكد الأزمة والورطة التي وقع فيها جيش الاحتلال، وعدم الرغبة في بدء حرب إسرائيلية جديدة مع غزة.
إن العدو الصهيوني يحسب ألف حساب لكتائب القسام والمقاومة الفلسطينية رغم التفوق العسكري الهائل والكبير للكيان، وامتلاكه الصواريخ النووية وصواريخ عابرة القارات؛ فكتائب القسام استطاعت لجم العدو الصهيوني، وفرضت معادلة النيران مقابل النار والضرب مقابل الضرب، فصمدت غزة بكل بسالة وشموخ في وجه العدوان الإسرائيلي، إذ أقدم الكيان في نهاية الجولة الحربية على قصف مبنى ثقافي وسط تجمع مكتظ في السكان، ما أدى إلى إصابة عدد من الأطفال والنسوة.
تحدت غزة آلة الحرب الصهيونية المدمرة، وصمدت في وجه حصار شديد ضرب أطناب الحياة، وأكل الأخضر واليابس في غزة، وواجهت محاولات الحصار والتشديد والتجويع ومشاريع العزل والتوطين، ووقفت غزة الشامخة بالمرصاد للعدو الصهيوني في الدفاع عن أرضنا وعن مقدساتنا الفلسطينية أمام مواصلة التوسع الاستيطاني، وخرجت غزة عن بكرة أبيها تعلن رفضها حصار القدس، وإغلاق المسجد الأقصى المبارك، وواجهت غزة المخططات الصهيونية الخبيثة الماكرة لتقسيم القدس الزماني والمكاني.
فرضت غزة على ضعفها معادلة الدفاع عن أبناء شعبنا، والرد على جرائم العدو الصاع صاعين، مع أن ما تمتلكه غزة الباسلة من وسائل وأساليب المقاومة والدفاع عن النفس قليل في مواجهة الكيان، "الدولة" النووية التي تمتلك أكثر من (٣٠٠) رأس نووي، وغواصات نووية وصواريخ مدمرة عابرة للقارات، ومنظومة تكنولوجية عسكرية وأمنية متطورة ومتفوقة على دول الشرق الأوسط، بل هي دولة مصنعة ومصدرة للسلاح ولها مكانة في سوق السلاح العالمية.
قبل أيام كشف استطلاع رأي حديث أجراه معهد (بنال بولتيك)، ونشرته صحيفة (معاريف) أن ما نسبته (64%) من الإسرائيليين غير راضين عن سياسة رئيس الوزراء الصهيوني (نتنياهو) ضد حركة حماس، وعبر (48%) من الجمهور اليهودي في الكيان عن تأييدهم تنفيذ حملة عسكرية جديدة ضد حركة حماس، وعبر (41%) منهم عن رفضهم أي عملية عسكرية بغزة، وأجاب (11%) بعدم الرد.
لقد ضج المسؤولون في الكيان الصهيوني من صمود ومقاومة وبسالة أهل غزة، ورأى رئيس بلدية (سديروت) (مستوطنات غلاف غزة) (ألون ديفيد) أن إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي وقف إطلاق النار مع حركة حماس خطأ كبير؛ فقد قال أحد المستوطنين من مستوطنة (سديروت): "إن الحياة التي نعيشها خلال الأشهر الأربعة الأخيرة صعبة جدًّا، وهناك حالة من الإحباط الكبير دون معرفة ماذا سيحدث في الغد، ومتى سيأتي صاروخ القسام القادم علينا، والشوارع في (سديروت) فارغة خوفًا من صواريخ القسام، والمتاجر والمحال مغلقة، وتبدو كالأشباح"، ورأى الجنرال الصهيوني (تسفيكا فوغل) في تصريحات لصحيفة (معاريف) الصهيونية أن جيش الاحتلال استسلم ورفع الراية البيضاء لحركة حماس، قائلًا: "لقد جلبت لنا الحكومة العار، وإن (إسرائيل) هزمت في الماضي ثلاث دول في آن واحد، واليوم لا تستطيع هزيمة حماس".
ما زالت غزة تقدم الكثير من أبنائها شهداء وجرحى في مسيرات العودة؛ فإن هذه الجولة هي صولة يتبعها صولات وجولات أخرى مع الاحتلال، ورسالة غزة وصلت أنه لا تراجع ولا استسلام ولا تنازل عن العقيدة والثوابت والمبادئ.