قرصنة جديدة مارستها بحرية الاحتلال الإسرائيلية بعرض بحر قطاع غزة، من خلال اعتراض زوارقها السفن المنطلقة من ميناء غزة البحري (حرية ٢) الهادفة لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ نحو (12 عامًا)، وتأكيد حقهم بحياة كريمة وبناء مستقبل بعيدًا عن أي منغصات بفعل المحتل الإسرائيلي؛ إذ سيطرت القوات البحرية الإسرائيلية يوم الاثنين الماضي على سفينة «الحرية لكسر الحصار» بعدما قطع قبطانها والمشاركون على متنها 12 ميلًا بحريًّا في طريقها إلى ميناء ليماسول القبرصية، واقتادتها إلى ميناء أسدود الإسرائيلي، كما يعمل الاحتلال على قرصنة القوارب التي تنطلق بحرًا من غزة المحاصرة إلى العالم الحر وبذلك يحرم مليوني إنسان في قطاع غزة من التواصل الخارجي، رغم أن السفينة شارك على متنها طلاب وجرحى من مسيرات العودة الكبرى وعدد من الحالات الإنسانية، في خطوة رمزية تهدف لكسر الطوق البحري المفروض على قطاع غزة منذ 12 عامًا.
وجرت العادة أن ينظم ناشطون فلسطينيون وعرب وأجانب، تسيير سفن من الخارج لكسر الحصار عن القطاع، لكن قوات الاحتلال كانت تمنع وصول معظمها إلى شواطئ القطاع، في انتهاك واضح لكافة الأعراف والمواثيق الدولية التي تنص على حرية التنقل والسفر للأفراد والبضائع، رغم سن عدد من القوانين الدولية التي تحارب القرصنة، إلا أن الاحتلال لم يعِر تلك القوانين ومن سنها أي أهمية ويمارس القرصنة لسفن كسر الحصار عن غزة متخذًا لنفسه أشكالًا وأساليب جديدة في تبرير الجرائم ضد الانسانية.
ما يقدم عليه الاحتلال بقرصنة سفن كسر الحصار يذكرنا بالماضي السحيق حيث كان المشرّعون الرومان يطلقون على القراصنة وسم "أعداء البشرية" لإظهار مدى الخطورة والتهديد التي يسببها اعتراض القافلات البحرية والاستيلاء عليها.. وفي ثلاثينيات القرن العشرين اشتهرت الدول الفاشية وخاصة نظامي "موسوليني" في إيطاليا و"هتلر" في ألمانيا بالقرصنة على السفن التجارية والسفن المسالمة المارة عبر مضيق جبل طارق. وكانت ألمانيا الهتلرية تبرر استيلائها على البضائع التي تحملها تلك السفن بدعوى أنها مواد عسكرية مهربة للحلفاء.
أما اليوم فقد يشهد العالم نوعين من القرصنة: الأولى هي القرصنة الصومالية على السفن المدنية والتجارية المارة بالقرب من القرن الأفريقي والتي تكاد تختفي تمامًا. حيث قامت الدنيا ولم تقعد عليها وأنشئت لمكافحتها حملات عالمية انضمت اليها جحافل وقوى دولية على رأسها الولايات المتحدة الامريكية التي لم تغفر الذنب وشنت غارات عسكرية وبحرية ضد الصومال، كما ان مجلس الامن اصدر العديد من القرارات الصارمة ضد الصومال ولم نعد نسمع بعدها قرصنة بحرية هناك.
أما الثانية فهي القرصنة الإسرائيلية على سفن مسالمة تحمل ناشطين دوليين ومتضامنين لديهم رسالة سلام وحقوق لغزة المحاصرة يحاولون عبر سياسة اللا عنف إحداث ثقوب في الحصار الحديدي الذي تطبقه اسرائيل على غزة منذ العام 2008. ولكن على عكس الأولى، لأنهم مسالمين وحضاريين ويرفعون شعارين هامين هما رفض العقاب الجماعي وجميع اشكال العنصرية بما فيها معاداة السامية وكراهية الاسلام ، فلا عين دولية ترى ولا قانون عالمي يسمع، وذلك رغم تشابه الحالتين من الناحية القانونية، فالقرصنة في القانون الدولي هي أي عمل غير قانوني من أعمال العنف والاحتجاز أو الحرمان أو التجريد يرتكبه أشخاص لغايات شخصية ضد ركاب السفينة أو الممتلكات على متن تلك السفينة في أعالي البحار.
إن الجريمة الصهيونية الجديدة بحق أسطول الحرية والمتضامنين الأجانب تمثل استهانة بالمجتمع الدولي وانتهاكًا فاضحًا ومتواصلًا لكل القوانين والأعراف الدولية، وهو ما يستوجب توثيق هذه الجرائم بحق المتضامنين الأجانب وتدويلها وتحويلها إلى محكمة الجنايات الدولية واعتبارها جرائم ضد الإنسانية تستوجب محاكمة مرتكبيها.
فلو رجعنا الى القانون الدولي الخاص بتجريم القرصنة البحرية لوجدنا انه ينطبق على قرصنة الاحتلال، حيث يقوم بمهاجمة تلك السفن الدولية القادمة تجاه شواطئ غزة لكسر الحصار المفروض عليها من منتصف أعالي البحار، وهي بطبيعة الأمر خارج النطاق الاقليمي لسواحل فلسطين المحتلة. وثانيا لم تكن أي من البواخر المشاركة في محاولة كسر الحصار عن غزة تحمل أي معدات عسكرية أو شبه عسكرية تشكل خطرًا حقيقيًا على أحد، بل جل ما احتوته كان بمثابة مؤن ومواد غذائية تغطيها عمليًا قواعد القانون الدولي الإنساني.
نشكر هؤلاء المتضامنين الأجانب الذين تحدوا كل التهديدات الصهيونية ومخاطر الرحلة وأصروا على القيام بواجبهم الإنساني والأخلاقي نصرةً غزة ومن أجل الضغط لإنهاء الحصار الاحتلالي المفروض عليه مسنين طويلة، ونحن نقدر لهم هذا العمل النبيل الذين دفعوا من اجله الغالي والنفيس من اجل كسر الحصار الظالم عن ٢ مليون انسان في ظل هذا السكوت المطبق على المأساة الانسانية في غزة، وكلنا أمل ان يستمر هذا الحراك الدولي برا وبحرا للوصول الى مبتغاه، كما نأمل ان يشكّلوا نموذجًا لآخرين ليحذوا حذوهم وخصوصًا أبناء شعوبنا العربية.