لقد أكرمكم الله (تعالى) بهذه الفضيلة وهذه المنحة العظيمة التي حُرم منها الكثير، فقد سمح لكم الرحمن بزيارة بيته وأكرمكم بأن تكونوا ضمن وفده، فقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "الحجاج والعُمّار وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم"، فقيمة الوفد بما ينسب إليه، فعندما يُقال: وفد رئاسي، أو وفد وزاري، تعلم أن الوفد رفيع المستوى فما بالكم بوفد الله؟!
وهذا يحتاج منكم أن تكونوا على قدر هذا الشرف الرفيع، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال.. لا معاصي ولا صخب.. سلماً للبشر والحجر والحيوان والطير والنبات.. سكينة وهدوء ووقار.. رحمة وتواضع وذلة وانكسار للواحد الجبار.. لذا أول ما تضعون أرجلكم في بداية السفر تستعينون بالله (تعالى) قائلين: "اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى...".
واغرسوا الإخلاص لله (تعالى) في قلوبكم، قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "إن الله لا يقبل إلا ما كان له خالصاً وابتغى به وجهه".
كما يجب أن تؤدى المناسك وفق سُنّة النبي (صلّى الله عليه وسلّم) وهديه، فعليكم أن تسألوا أهل الذكر عن كل شيء وتسددوا وتقاربوا ولكم أن تأخذوا بالرُخص التي رُخصت لكم عند الحاجة إليها بعد حمل النفس على العزيمة ما استطعتم إلى ذلك سبيلا: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ}.
ولكي تستمتعوا بمناسككم رغم المشقة والتعب عليكم أن تستحضروا الأجر العظيم في كل خطوة وفي كل عمل، قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لم تضع ناقتك خفًّا ولم ترفعه إلا كتب اللّه لك به حسنة، ومحا عنك به خطيئة، ورفع لك بها درجة، وأما ركعتاك بعد الطواف فإنهما كعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بالصفا والمروة فكعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشية عرفة فإن اللّه يهبط إلى السماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة يقول: هؤلاء عبادي، جاؤوني شعثًا غبًرا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبكم عدد الرمل أو كزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفورًا لكم ولمن شفعتم له. وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك، وأما حلاق رأسك فبكل شعرة حلقتها حسنة، ويمحى عنك بها خطيئة، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك، ثم يأتي ملك حتى يضع يده بين كتفيك ثم يقول: اعمل لما يُستقبل، فقد غفر لك ما مضى".
رافقتكم عناية الرحمن ودعواتنا لكم بحج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور وتجارة لن تبور، ولا تنسوا أمتكم وشعبكم من صالح دعائكم.