الجولات والتحركات الإقليمية والزيارات القادمة والمغادرة من غزة وإليها على مدار الأسبوعين الأخيرين، تفتح الملف أمام إمكانية التوصل إلى معالجة لمشكلات غزة، ولعل منبعها هذه المرة استدراك الذهاب إلى المواجهة التي أعلن الطرفان الأقوى فيها الاحتلال والمقاومة أنهما لا يرغبان بها، وقدمت حماس خلال الأسبوع الماضي البرهان على عدم الذهاب لها، بعد عمليتي الاستهداف لعناصرها شرق قطاع غزة وأدت لاستشهاد 6 منهم، واختصار الرد على عمليتي قنص محددتين قتلت فيهما ضابطا وأصابت آخر.
لكن هنا يستوجب السير في مسارات مختلفة لمعالجة الأوضاع بقطاع غزة بعيدًا عن دفع أثمان سياسية، وهذا لا يمنع أن السير ببعضها يخدم الأخرى، مع الابتعاد عن فخ الربط السياسي الذي يضعه الاحتلال ويقف خلف تسريباته، وخاصة ما يتعلق بالتهدئة وربطه بسلاح المقاومة أو الجنود المفقودين بغزة.
المصالحة الفلسطينية بحاجة إلى خطوات عملية أخرى من اللقاءات والاجتماعات، واستثمار التحركات التي تحدث لصالح إنجازها، فحماس التي ترغب في تحقيقها سريعا لمصالح مرتبطة بتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، تبدي استعدادا لتقديم مزيد من الخطوات تجاه تطبيق ما اتفق عليه عام 2011، وما أعلن في أكتوبر 2017، وقدمت لذلك موافقتها الكاملة على المبادرة المصرية الأخيرة, فيما يتعلق بتواريخ وترتيبات تطبيق المصالحة، لكن بشرطها الابتعاد عن الثمن السياسي، وعدم إدراجها ضمن أي تحرك إقليمي يهدف لتحييد قطاع غزة.
في ذات الوقت قيادة السلطة الفلسطينية بحاجة لأن تقول نعم واضحة حول المبادرة المصرية بالابتعاد عن لغة "لعم" التي لا يحتمل الشارع الفلسطيني أي تراجع في هذا الملف، ومن شأنه أن يقود نحو مزيد من تأزيم الأوضاع الإنسانية, يؤدي إلى مواجهة مع الاحتلال وهو ما لا يرغب به الاحتلال وحماس، لكن في حال استمرار الأوضاع الحالية سيقود نحو الانفجار والمواجهة المحتومة بين الجانبين.
المصالحة بحاجة ملحة لإخلاص النوايا بأنها مصلحة فلسطينية وطنية تنقذ الحالة الفلسطينية بخطوات فعلية يتقدمها وقف العقوبات التي اتخذت ضد قطاع غزة خلال الأشهر الأخيرة، وإفساح المجال أمام تقديم المساعدات المطروحة لصالح غزة، التي يتحرك بها المبعوث الخاص للأمم المتحدة ميلادينوف، وما تقترحه قطر ومصر.
خصوصية هذه المرحلة في الحراك الإقليمي والدولي الذي يبدو فيه وجود ضغوط كبيرة لوقف التدهور في قطاع غزة دون الشروط التي تم الحديث عنها ووضعها عباس شخصيًا، وهي إفشال للمقترح المصري، بشكل غير مباشر، من خلال طرح ملف السلاح والتمكين المسبق للحكومة في قطاع غزة، وتحصيل الضرائب دون الالتزام بدفع رواتب الموظفين بغزة ، والسيطرة الكاملة على المعابر، على الرغم من أن من يدير المعابر منذ أكتوبر الماضي هي إدارة المعابر التابعة لرام الله، لكن يقصد السيطرة على وزارة الداخلية في كافة إجراءات السفر.
المعيق الثاني هو إسرائيلي كعادتهم دائمًا بوضع العقبات، التي تناقض مواقفهم بالحرص على عدم تفجر الأوضاع بغزة، من خلال طرح ملف الجنود المفقودين وهو من الملفات التي لن توافق حماس على ربطها بالملفات الأخرى، مهما كان السبب، إلا بتلبية شرطها المرتبط بالإفراج عن الأسرى الذين أعيد اعتقالهم من قبل الاحتلال، وأن المفاوضات تتعلق فقط بالإفراج عن الأسرى مقابل الجنود المفقودين.
لذلك كي تسير المصالحة بشكل ملائم وتقفز إلى الأمام ووضع حد لتدهور الأوضاع بغزة، هناك مصلحة للجميع بإخراج المصالحة من عنق الزجاجة، وإنجاز ما هو مطلوب منهم، كي لا يجد الجميع أنفسهم أمام واقع مأزوم يقود نحو الانفجار، لا يتواءم مع رغبات البعض، لكن لم يفعل ما يمنع ذلك.