فلسطين أون لاين

​التّيهُ الفلسطيني

كثيرا ما حذرنا من الوصول إلى المجهول أو من الدخول في حالة التيه، ولكن في الحقيقة نحن نعيش هذه المرحلة منذ أكثر من عشر سنوات، الشيء الوحيد الذي نجا هو المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، التي حافظت على كينونتها، وتقدمت حين تأخرنا في كافة المجالات.

في الضفة الغربية كان العدو الإسرائيلي جل همه ملاحقة المقاومين وأطفال الحجارة والسكاكين تحت مسمى محاربة الإرهاب، وعندما انخفضت أعمال المقاومة إلى حدودها الدنيا تغيرت أهداف جيش الاحتلال فبدأ بملاحقة الكتاب والصحفيين والإعلاميين.

المستوطنون ذراع أخرى لجيش الاحتلال الإسرائيلي وقد نشطوا في السنوات الأخيرة في مضايقة سكان القرى في الضفة الغربية وإحراق منازلهم وبساتينهم ومزروعاتهم، ومن شعاراتهم الدارجة اليوم: "كفى للإرهاب الزراعي"، لا أعلم عن أي إرهاب يتحدثون، فهل زراعة شجرة بيد فلسطينية إرهاب وزراعتها بيد مغتصب "عمل خيري" مثلا؟ ولكن ما أوصلنا إلى هذا المستوى هو غياب المقاومة وخلو بنك الأهداف الإسرائيلي منها تقريبا، ولأن الإسرائيلي لا يتوقف عن عدوانه لا بد له من أهداف جديدة لاستهدافها، طالما غاب من يردعه أو حتى منيتفاهم معه .

الحالة التي وصلنا إليها تعود لأسباب داخلية فينا والعدو يحسن استغلالها، الشعب ينتظر ما الذي ستتمخض عنه لقاءات القاهرة، ينتظر ولكن بنسبة ضئيلة من التفاؤل، وأنا أقول لا بد من وضع مصالح الناس المحاصرين المخنوقين فوق كل مصلحة، فإذا كانت تلك أولوية المتحاورين ستسير الأمور بسهولة ويسر، وإذا كانت الحسابات الحزبية والفصائلية هي الأولوية سيكون هناك المزيد من العقبات وإن كنت أميل إلى أن تخطي العقبات لن يطول لأن المصالحة صارت مطلبا خارجيا ملحا حتى لا تتأزم الأوضاع إلى درجة تخرج فيها الأمور عن السيطرة.

كثيرون من أصحاب الرأي يحاولون المساعدة في الوصول إلى حلول لإخراج الشعب والفصائل من محنتهم، ولكن أنصح أولئك بدراسة الحالة والبناء على أسس صحيحة؛ مثلا عندما يتحدث أحدهم عن "أصحاب السلام" و "أصحاب السلاح " لا بد أن يعطي كل ذي حق حقه ولا يكتفي بالإشارة إلى إخفاقاتهم دون النظر إلى سلامة منهجهم ابتداء، فمثلا أصحاب السلام، هل هم على حق؟ وهل تنازلهم عن ثلاثة أرباع الوطن مشروع ؟ وأصحاب المقاومة، هل نهجهم مشروع؟ وهل نجحت المقاومة - يوما ما - في الوصول إلى أهدفها ؟ كثيرة هي الأشياء التي لا بد من أخذها بعين الاعتبار قبل تقديم النصح، والسرد الجميل والعبارات الرنانة لا تغني عن الموضوعية وتقييم الأمور بالمنظور الشرعي والوطني، ثم لا بد من طرح حلول وعدم الاكتفاء بالعرض حتى تكون نصيحة يمكن التعاطي معها والاستفادة منها.